الأحزاب السودانية بين الطموح للسلطة والغياب عن الشعب في المحن :- ( في العمق ) هشام محمود سليمان

الأحزاب السودانية بين الطموح للسلطة والغياب عن الشعب في المحن :-
( في العمق )
هشام محمود سليمان
orfaly6666@gmail.com
مقدمة:-
في ظل الأزمات العميقة التي يمر بها السودان وخاصة الحرب التي أشعلتها مليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) برز سؤال محوري أين الأحزاب السياسية مما يجري؟ هذه الأحزاب التي تطرح نفسها بديلا لحكم السودان والتي تدعي تمثيل الجماهير لم تقدم أي دور اجتماعي حقيقي لمساندة الشعب الذي يعاني من ويلات الحرب والتشريد والجوع والمرض لم تسير هذه الأحزاب قوافل الدعم المتضررين والنازحين لقد كان المتوقع أن تكون الأحزاب حاضرة في هذه المحنة الوطنية ليس فقط عبر التصريحات السياسية ولكن من خلال أدوار ملموسة تخفف من معاناة الشعب سواء عبر تقديم المساعدات أو تنظيم المبادرات المجتمعية أو حتى حماية المدنيين من بطش المليشيات غير أن الواقع كشف ضعف هذه الأحزاب وافتقارها إلى الوعي الاجتماعي والسياسي الذي يؤهلها لقيادة دولة تعيش أزمة بهذا الحجم
الأحزاب السياسية في كل دول العالم تؤدي أدوارا متعددة تتجاوز السياسة إلى الميدان الاجتماعي حيث تكون في مقدمة القوى التي تتدخل لحماية المواطنين في أوقات الأزمات سواء عبر تقديم العون المادي أو تنظيم حملات الدعم النفسي والصحي أو حتى لعب دور الوساطة لإنهاء النزاعات لكن في السودان كان الوضع مختلفا حيث اختفت الأحزاب عن المشهد الميداني واكتفت ببيانات الإدانة والاستنكار دون أي مبادرات فعلية تخفف من معاناة المواطنين الذين يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخ البلاد لقد كان الأولى لهذه الأحزاب أن تقوم بعدة أدوار اجتماعية مهمة منها علي سبيل المثال :-
1 تقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية مع نزوح الملايين من بيوتهم وافتقارهم إلى أبسط مقومات الحياة كان يتعين على الأحزاب السياسية أن تكون في مقدمة الجهات التي توفر المساعدات الغذائية والطبية سواء عبر إنشاء لجان إغاثية تابعة لها أو عبر التعاون مع المنظمات الإنسانية لتسهيل وصول الدعم للمتضررين
لكن بدلا من ذلك لم نر أي حزب سياسي يقوم بتنظيم حملات إغاثية رغم أن بعض قياداته يعيشون في الخارج أو في مناطق آمنة حيث يمكنهم جمع التبرعات وتنسيق الجهود لمساعدة شعبهم
2 حماية المجتمعات وتنظيم لجان شعبية مع انتشار الفوضى وغياب الدولة في كثير من المناطق كان يمكن للأحزاب أن تساهم في حماية المدنيين عبر تشكيل لجان مجتمعية تسعى إلى الحفاظ على الأمن وتوفير الحماية للسكان مثل هذه اللجان ليست بديلا عن الدولة لكنها وسيلة لدعم المجتمعات في مواجهة المخاطر التي تهددها يوميا بسبب الحرب
لكن الواقع أظهر أن معظم الأحزاب لم تبادر بمثل هذه الخطوات بل إن بعضها دخل في مساومات سياسية مع الأطراف المتحاربة دون اكتراث لما يعانيه المواطنون كما فعلت كثيرا من الأحزاب التي كانت تعارض الجيش
3 الدعم النفسي والتوعية الاجتماعية الأزمات والحروب لا تترك فقط آثارا مادية بل تمتد إلى الجانب النفسي والاجتماعي حيث يعاني الملايين من الصدمات النفسية الناجمة عن القتل والدمار والتشريد وهنا كان يمكن للأحزاب أن تلعب دورا عبر تنظيم حملات توعية ودعم نفسي للمتضررين خاصة الأطفال والنساء الذين هم الأكثر تضررا من هذه الحرب
لكن بدلا من ذلك غاب هذا الدور تماما ولم تبادر الأحزاب إلى إطلاق أي برامج نفسية أو اجتماعية تساعد المواطنين على تجاوز المحنة
4 الضغط السياسي والحقوقي لوقف الانتهاكات مع تصاعد جرائم مليشيا الدعم السريع من نهب واغتصاب وقتل وتدمير كان ينبغي أن تكون الأحزاب السياسية في طليعة الجهات التي تضغط دوليا ومحليا لوقف هذه الانتهاكات عبر تنظيم حملات حقوقية والتواصل مع المنظمات الدولية والضغط على الجهات الفاعلة لوقف الدعم الذي تتلقاه المليشيا
لكن المدهش أن بعض الأحزاب ظلت تتعامل مع دقلو وكأن جرائمه مجرد ( خلافات سياسية ) بل إن بعض القوى السياسية حاولت تبرير جرائم الدعم السريع أو تجاهلها مما كشف عن أزمة أخلاقية في مواقفها تجاه القضايا الوطنية
قوى الحرية والتغيير انقسامات تعمّق الأزمة قوى الحرية والتغيير التي قدمت نفسها كحاضنة سياسية للثورة السودانية لم تتمكن من تقديم أي دور فاعل في الأزمة بل زادت انقساماتها من تعقيد المشهد فبدلا من توحيد صفوفها والعمل على مواجهة المخاطر التي تحيط بالبلاد انشغلت بالخلافات الداخلية وباتت تتصارع على المواقف السياسية بدلا من تقديم حلول حقيقية للوضع المتأزم إن غياب هذه القوى عن الميدان كشف عن ضعف بنيتها التنظيمية وعجزها عن لعب دور وطني حقيقي مما أفقدها الكثير من الدعم الجماهيري الذي كانت تحظى به في بداية الثورة
أما الأحزاب التقليدية مثل حزب الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي فقد كانت مواقفها غامضة ولم تتخذ أي خطوات ملموسة لمساندة الشعب في محنته بعض قيادات هذه الأحزاب ظلت تراقب الأحداث من الخارج بينما بقيت قواعدها الشعبية تعاني من آثار الحرب دون أي دعم أو اهتمام
هذا الصمت الذي لا يمكن تفسيره إلا بالتردد أو الخوف من خسارة مكاسب سياسية مستقبلية أكد أن هذه الأحزاب لا تزال أسيرة حساباتها السياسية الضيقة وغير قادرة على تقديم نموذج قيادي حقيقي في الأزمات الوطنية الكبري
في اعتقادي ان هناك عدة أسباب تفسر ضعف الأحزاب السودانية في التعامل مع هذه الأزمة:-
أ. التركيز على الصراع السياسي أكثر من العمل المجتمعي معظم الأحزاب تركز على المنافسة على السلطة وليس على خدمة المواطنين
ب . ضعف الهياكل التنظيمية معظم الأحزاب لا تملك مؤسسات قادرة على العمل الميداني مما يجعلها عاجزة عن التحرك في الأزمات
ج . غياب الرؤية الوطنية الجامعة الأحزاب تتعامل مع القضايا الوطنية بمنطق الربح والخسارة السياسية وليس بمنطق المسؤولية تجاه الشعب
د . الارتهان للأجندات الخارجية بعض الأحزاب تعتمد على دعم خارجي مما يجعل قراراتها متأثرة بمصالح لا تخدم السودان
هل يمكن استعادة الثقة في الأحزاب؟ لكي تستعيد الأحزاب ثقة الشعب السوداني يجب عليها أن تقوم بإصلاحات جذرية تشمل:-
1 تبني سياسات اجتماعية واضحة بحيث لا يكون دورها مقتصرا على التصريحات السياسية تطوير قدراتها التنظيمية لتكون قادرة على التحرك الفعلي في أوقات الأزمات
2 اتخاذ مواقف واضحة ضد المليشيات والإجرام الذي يتعرض له الشعب بدلا من التردد والمساومات السياسية
3 إشراك الشباب والكوادر الفاعلة في قيادة العمل الحزبي بدلا من استمرار سيطرة القيادات التقليدية التي أثبتت فشلها
إن الأحزاب السودانية التي تطمح إلى حكم البلاد لم تثبت حتى الآن أنها مؤهلة لذلك لأنها لم تتحمل مسؤولياتها الاجتماعية في الأزمة الحالية لقد فشلت في تقديم أي دور ملموس لمساندة الشعب وظلت منشغلة بحساباتها السياسية بينما يعاني المواطنون من ويلات الحرب التي أشعلتها مليشيا دقلو الإرهابية
إذا لم تغير هذه الأحزاب نهجها فإنها ستجد نفسها معزولة عن الشعب الذي لم يعد يثق في القيادات السياسية التي تتخلى عنه في وقت الحاجة