
على حافة الوطن(٢٣) /خراف العيد تُسرح في مضارب العجز
بورتسودان/ حياه حمد السونسابي
في البلاد التي تتناسل فيها الأزمات كما تتناسل الضحايا في مشاهد الحروب المنسية، يقف المواطن السوداني على شفا حفرة من العجز، ينظر إلى خراف الأضاحي فلا يراها… بل يرى أثمانها، ويرى معها قطيعاً من الهموم يسوقه الغلاء بعصا الصمت.
الخروف ـ ذلك الحيوان الذي كان فيما مضى رمزاً للفرح، وطقساً من طقوس العيد ـ تحول في هذا العام إلى طيفٍ بعيد، تحرسه الأرقام المتوحشة التي لا يعرفها جيب المواطن. سبعمئة ألف جنيه؟ حسناً. مليار؟ لا عجب. فكل شيء في هذا الوطن بات قابلاً للتضخم، إلا كرامة الناس.
في أسواق المواشي، تتكدّس الخراف كما لو أنها تنتظر حتفاً مؤجلاً، لا يقطعه إلا صوت تاجر يردد: “ده سوايير… وسعره بيبدأ من نص مليار!” أما الزبائن، فهم رهائن لتضخمٍ لا يرحم، يتفاوضون بأعينٍ ممتلئة بالحسرة، وجيوبٍ خاوية إلا من أمنيات.
العيد يقترب، لكنه لا يدخل كل البيوت. هناك من سيكتفي هذا العام بذكرى أضحيةٍ كانت، وسينحر بدلاً عنها وجعاً يسكن الأضلاع. وهناك من سيقترض، ويبيع، ويقايض، ليشتري خروفاً لا لشيء… إلا ليخدع به أبناءه ويقول لهم: “كل عام وأنتم بخير.”
في وطنٍ أصبحت فيه الأضحية “ترفاً طبقياً”، لا مجال فيه لغير المقتدر، يعلو صوت السؤال:
هل باتت العبادة حكراً على من يملك، والمشاركة في العيد امتيازاً طبقيًّا؟
أم أن في القلب من الفكرة ما هو أعمق من الذبح، وأصدق من مباهاة السوق؟
على حافة الوطن… تُذبح الأماني قبل الخراف، ويُفدى العيد بالصبر لا بالدم.
فالسكين واحدة، لكن الرقاب مختلفة.