مقالات الرأي
أخر الأخبار

منبر_الكلمة جلال الجاك أدول واشنطن… حينما تُعاقِب الضحية وتُبيّض وجه الجلاد

منبر_الكلمة

جلال الجاك أدول

واشنطن… حينما تُعاقِب الضحية وتُبيّض وجه الجلاد!

في وقتٍ يكابد فيه المواطن السوداني صراعًا يوميًا مع الجوع والمرض وفقدان الدواء والمأوى، وبينما يصرخ الوطن من أتون حربٍ طاحنة مزّقت أواصره، اختارت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصبّ الزيت على النار.
ففي مايو المنصرم، أعلنت واشنطن وبكل برود أخلاقي أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية، وقررت فرض عقوبات جديدة تدخل حيز التنفيذ خلال هذا الشهر، متجاوزةً كل القنوات القانونية، ومتجاهلةً قواعد العدالة الدولية.

لكن دعونا نتساءل بوضوح: من الذي منح أمريكا حق المحاكمة والإدانة والتنفيذ؟ ومن الذي أتاح لها أن تُصدر أحكامًا ضد الدول الأخرى دون محاكمة، ودون مشاركة الطرف المعني، بل ودون الإفصاح عن أدلة أو آليات التحقيق؟

في عرف القانون الدولي، هذا السلوك يُسمّى بـ التدابير القسرية الانفرادية، وهي تلك العقوبات التي تفرضها دولة من تلقاء نفسها خارج منظومة الأمم المتحدة، بهدف إخضاع دول أخرى لتغيير مواقفها أو سياساتها.
وهي تدابير لطالما دانها مجلس حقوق الإنسان، واعتبرها انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وآخر هذه الإدانات صدر في أكتوبر 2023.

بل إن الجمعية العامة للأمم المتحدة نفسها أكدت في قراراتها أن القوانين الوطنية لا تمتد خارج حدود الدول، وأن العقوبات أحادية الجانب تمس سيادة الدول وتضر شعوبها أكثر من حكوماتها.
ويكفي أن نُشير إلى ما قالته البروفيسورة ألينا دوهان، المقررة الخاصة بالأثر السلبي للتدابير القسرية، بأن هذه العقوبات تسلب المواطنين حقهم في الغذاء، والدواء، والخدمات الأساسية، وتزيد من هشاشة أوضاعهم الإنسانية.

دعونا نكون صرحاء:
لم تكن أمريكا يومًا من دعاة السلام ولا من حماة القانون الدولي، بل هي أول من دهس القانون بالمدرعات في العراق، وأول من استخدم الأسلحة المحرمة دوليًا دون رقيب في الفلوجة، وغطّت إسرائيل حينما قصفت غزة بالفوسفور الأبيض.
واليوم، تتحدث عن حماية المدنيين في السودان؟!

أين كانت أمريكا حين سقط الأطفال جوعًا في دارفور؟ وأين هي من الحصار الذي فرضه التمرد على الفاشر وبقية الولايات ؟
هل حقًا تهتم واشنطن بالشعب السوداني، أم أنها ترى في بلدنا ساحة لتجريب العقوبات الذكية، وميدانًا لمساومات المصالح؟

ما تنوي أمريكا فعله ليس فقط غير قانوني، بل هو عدوانٌ صريح على السيادة السودانية.
فلا ميثاق الأمم المتحدة يجيز ذلك، ولا القانون الدولي يسمح به، ولا المنطق الإنساني يُبرره.
بل وحتى لو سلّمنا بوجود شبهة استخدام أسلحة، فإن اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي وقّعتها الخرطوم وواشنطن معًا، حددت آليات شفافة للتحقيق، أبرزها “التفتيش بالتحدي”، الذي لم يتم تفعيله في هذه الحالة مطلقًا.

إذن، لماذا لم تلجأ أمريكا إلى تلك القنوات؟
لأنها ببساطة لا تريد الحقيقة… بل تريد القرار السياسي المعلّب سلفًا.

إلى من يهمه الأمر في العالم:
العقوبات تقتل الشعوب لا الأنظمة. والسودان لا يحتمل مزيدًا من الجراح المفتوحة.
فلتتراجع واشنطن عن هذه التدابير، أو على الأقل فلتواجه القانون الدولي في محكمة العدل بدلًا من إطلاق الأحكام من فوق الأبراج العالية.

وسيبقى السودان أكبر من الحصار… وأقوى من الابتزاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى