منبر_الكلمة جلال الجاك أدول أبيي تُقصى من جديد… هل يعيد كامل إدريس إنتاج الخرائط القديمة؟

منبر_الكلمة
جلال الجاك أدول
أبيي تُقصى من جديد… هل يعيد كامل إدريس إنتاج الخرائط القديمة؟
في الوقت الذي تنشغل فيه بورتسودان بمراسم التفاوض وتوزيع كعكة السلطة، تلوذ أبيي بالصمت الموجع؛ لا صوت يُسمع، ولا تمثيل يُعترف به، وكأنها لم تكن يوماً جزءاً من جغرافيا الوطن أو من تاريخه المنكوب. رئيس الوزراء الانتقالي، الدكتور كامل إدريس، شرع في تشكيل حكومته، وسط ترحيب دولي ومحلي مشوب بالحذر، لكن اللافت والمفجع أن اسم أبيي لم يُطرح حتى في الهامش، لا في مشاورات، ولا في قوائم، ولا حتى على استحياء ضمن مناطق التهميش.
من المضحك المبكي أن إدارية أبيي، التي تُدار باسمها ملفات مصيرية على المستويين المحلي والدولي، لا يوجد في هرمها التنفيذي اليوم سوى شخص واحد الدكتور سلومة موسى، وهو المسؤول الوحيد في هذه الإدارية منذ تعيينه. فأين بقية مفاصل السلطة المحلية؟ لماذا لم تُشكّل حكومة محلية متكاملة حتى الآن؟ من الذي يُعطل بناء الهيكل الإداري؟ وهل يجوز أن تُدار منطقة بهذا التعقيد السياسي والإثني والتاريخي بواسطة فرد واحد فقط؟ إنه لأمر لا يليق بمفهوم الدولة، ناهيك عن العدالة!
هذا التجاهل ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لعقود من الإقصاء السياسي المتعمد، الذي لم يتغير حتى مع تغيّر الوجوه، والشعارات، وخطابات الانتقال الممجوجة. كأن أبيي خُلقت لتكون منطقة نزاع فقط: لا تنمية، لا مؤسسات، لا تمثيل، لا خدمات. حتى في زمن حرب الكرامة ضد المليشيات، ظل أبناؤها يُقاتلون دون أن تُذكر أسماؤهم، أو تُقر تضحياتهم. من يقاتل ويُستبعد، من يحمي السودان ولا يُستشار؟ هل يعلم الدكتور كامل إدريس أن أبناء أبيي كانوا من أوائل من التحقوا بالجيش لصد تمرد مليشيا الدعم السريع؟ هل يجهل أن العشرات منهم استُشهدوا وهم يدافعون عن الخرطوم و شمال كردفان والنيل الأبيض؟ أم أن هذه التضحيات لا تترجم إلى حق سياسي؟!
حين تغيب أبيي من مشاورات الحكومة، لا يمكن اعتبار ذلك سهوًا إداريًا، بل خيانة ناعمة لوحدة السودان، وإشارة مريرة إلى أن العقل المركزي ما زال يحتقر الأطراف، حتى وهو يتشدق بلغة العدالة الانتقالية. أبيي ليست أرضاً خاملة تنتظر من يمنّ عليها بالتمثيل، بل مجتمع صلب، مبدع، ووطني حتى النخاع، لكنه سُحق تحت أقدام التهميش واللامبالاة.
نقولها بصوت عالٍ يجب أن يكون لأبيي تمثيل واضح ومباشر في حكومة الدكتور كامل إدريس. نطالب بإشراك قياداتها المدنية والعسكرية، واستدعاء نخبتها السياسية إلى طاولة التفاوض، وتحديد مصير إدارتها المحلية، بدل الاكتفاء بواجهة يتيمة يمثلها رجل واحد مهما كانت كفاءته.
في أبيي، ما زالت الأمهات يبكين أبناءهن، وما زال الناس يُسافرون طلبًا لخدمات أولية، في حين يتداول الساسة في بورتسودان أسماء الوزراء المحتملين كأن الوطن بلا أبيي، بلا أطراف، بلا ذاكرة.
أيها الدكتور كامل إدريس نريد أن نؤمن بك، لكن إن لم تُصحح هذا الظلم الآن، فإن حكومتك ستولد في قلب الخطيئة… خطيئة الإقصاء.