
منبر_الكلمة
جلال الجاك ادول
حكومة التأسيس تفويض خارجي لتفتيت السودان
تحالف سياسي مشبوه، دعم عسكري من الميليشيات، وتمويل إماراتي سخي… هل هذه بداية لبناء الدولة، أم تفويض جديد لتمزيقها؟
بينما تنزف المدن السودانية من الأطراف حتى القلب، وتتهاوى مؤسسات الدولة في وجه أعتى أزمة وجودية منذ الاستقلال، يُعلن في عاصمة خارجية عن تشكيل ما سُمِّي بـ حكومة التأسيس. في ظاهرها دعوة للمدنية والسلام، لكنها في جوهرها مشروع تقسيم مقنّع، تنسجه قوى خارجية، وتُنفذه أذرع داخلية تُجيد استثمار الخراب.
كمواطن سوداني، ومنحاز لمؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية، لا أرى في هذه الحكومة سوى محاولة لتمزيق ما تبقى من الوطن، وفرض واقع موازٍ عبر ميليشيات الدعم السريع من جهة، والحركة الشعبية – شمال جناح عبد العزيز الحلو من جهة أخرى، واللتين تمثلان السند العسكري والسياسي لمشروع التأسيس المزعوم.
هؤلاء لا يسعون لسلام، بل يفاوضون ويقاتلون على خريطة جديدة لسودان جديد لا يشبهنا. فالدعم السريع، بسجلّه الدموي وانتهاكاته الموثقة، لا يمكن أن يكون طرفًا في أي عملية تأسيس لوطن سليم. أما جناح الحلو، فلا يُخفي طموحه في إقامة دولة علمانية منفصلة، تُدار بمنطق الغلبة لا التوافق.
لكن الأخطر من كل ذلك، أن هذا المشروع يحظى بدعم سخي من دولة الإمارات، التي لا تخفي مطامعها الاقتصادية في السودان. الإمارات تموّل، وتُنسق، وتدفع ببعض الساسة السودانيين لاستخدام لافتة التأسيس كغطاء ناعم للاستيلاء على الذهب، والموانئ، والموقع الجيوسياسي الفريد للبلاد.
إنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الإمارات وكلاء محليين لنهب دول باسم التحول الديمقراطي. ولن تكون الأخيرة إن لم نُدرك فداحة الأمر.
قد يرى البعض في هذه الحكومة خطوة نحو إنهاء الحرب، وهذا رأي نحترمه، لكن الواقع يقول إنها تُبنى على أسس هشّة، وتحت رعاية أجنبية لا تعرف من السودان إلا مصالحه ومخارجه.
هذه الحكومة، ببساطة، ليست إلا حكومة أمر واقع تُطبخ خارج الحدود، ثم يُطلب منا في الداخل أن نأكلها ساخنة رغم طعمها المُر، وأن نباركها رغم طابعها الإقصائي والتقسيمي.
كيف يُعقل أن تتشكل حكومة باسم السودان، دون أدنى احترام لمؤسساته؟ كيف تُعلن حكومة وسط نيران الحرب، دون حتى مشاورة القوى الحقيقية في الداخل؟ أين النقابات؟ أين الإدارات الأهلية؟ أين الجيش؟ أين الشعب؟!
الجواب واضح: لا مكان لأصوات الداخل في مشروع كتبه الخارج وسوّقه السماسرة السياسيون.
إن مستقبل السودان لا يُرسم في اجتماعات الفنادق، ولا في غرف التآمر، بل يُصاغ بإرادة شعبه، وبدماء أبنائه الذين يدافعون عن ترابه.
نقولها بصراحة:
لسنا ضد السلام، ولسنا ضد التحول المدني،
لكننا ضد السلام الذي يُبنى على أنقاض الدولة، وضد المدنية التي تُفرض عبر فوهة البندقية، أو حقيبة الدولارات القادمة من الخارج.
فإما وطن موحّد، أو لا وطن على الإطلاق.