
منبر_الكلمة
جلال الجاك أدول
هذه الأرض لنا.. بين الشعار والموقف
في بلد يُحاصر بالحرب والمزايدات، تخرج من دارفور يدٌ مرفوعة تقول هذه الأرض لنا.
من المنتظر أن يشهد مدينة بورتسودان، فعالية وطنية لافتة يوم السبت 2 أغسطس 2025، حيث يُقيم والي ولاية وسط دارفور، القائد مصطفى تمبور، فعالية اليوم الوطني لدعم القوات المسلحة السودانية، بقاعة الربوة، تحت شعار هذه الأرض لنا.
الفعالية، في مضمونها، ليست مجرّد احتفال أو وقفة معنوية، بل تحمل نَفَسًا سياديًا وسياسيًا واضحًا، يعلن أن السودان وطن موحد، لا يُفكك، لا يُباع، ولا يُمنح في صفقات، وأن الأرض لمن يذود عنها، لا لمن يساوم بها.
هذا الشعار – ببساطته وعمقه – يعيد تشكيل المفاهيم في زمن غابت فيه المرجعيات، ويقدم رسالة تتجاوز الكلمات: أن الانحياز للجيش ليس موقفًا عابرًا، بل التزام وطني وأخلاقي.
وتحمل الفعالية المرتقبة طابعًا رمزيًا قويًا، لكونها تقام في بورتسودان، العاصمة المؤقتة للدولة، التي باتت مركزًا للحوار السياسي الوطني، واستقطبت رموزًا من مختلف الأطراف. أما أن يأتي الصوت هذه المرة من غرب السودان، ممثلًا في والي وسط دارفور، فذلك يمنح الحدث بعدًا جغرافيًا وتاريخيًا لا يمكن تجاهله.
وما يميز هذه المبادرة أكثر، أن القائد مصطفى تمبور لا يكتفي بالمواقف الرمزية أو التصريحات، بل يشارك فعليًا على الأرض. فقواته المنضوية تحت لواء القوات المسلحة منخرطة ميدانيًا في العمليات القتالية جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة السودانية، في مختلف الجبهات، لدحر تمرد مليشيا الدعم السريع. وهي مشاركة تضعه في قلب المعركة، لا على هامشها.
المتوقع أن تشهد الفعالية حضورًا متنوعًا من ممثلي القوات النظامية، والشخصيات المدنية، والقيادات المجتمعية والطلابية، في مشهد يُراد له أن يُجسد لحظة وحدة وطنية حقيقية.
الصور الدعائية التي أبرزت القائد العام الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى جانب مصطفى تمبور، لم تكن مجرد لمسة تنظيمية، بل تحمل دلالة سياسية واضحة، تقول إن الدعم لا يكون بالكلام وحده، بل بالاصطفاف الواضح في زمن الانقسام.
ومع ذلك، لا بد من طرح السؤال المشروع هل تكفي فعالية واحدة، مهما كانت رمزية ومخلصة، لتأكيد الموقف؟
في هذا الزمن المأزوم، المطلوب ليس فقط المبادرات الجميلة، بل الاستمرارية، وربط القول بالفعل. الشعب السوداني صار يقرأ المواقف لا بالشعارات، بل بالثبات عليها.
ومع كثرة المبادرات المنفعية والانتهازية، تبرز هذه الأرض لنا كمحاولة جادة لإعادة الروح الوطنية إلى المشهد. ومعها، تعود الأسئلة الكبرى من يقف حقًا مع الوطن؟ ومن يراهن على سقوطه؟
الجيش، وهو يخوض معركة الكرامة، لا يحتاج فقط للدعم اللوجستي، بل يحتاج لما هو أعمق: المعنويات، والوضوح، والإيمان بأنه ليس وحده في الميدان. ومثل هذه المبادرات، إن صيغت بصدق، واحتُضنت شعبيًا، يمكن أن تكون أساسًا لبناء جبهة وطنية جامعة.
فعالية تمبور المتوقعة ليست حدثًا عابرًا، بل اختبارًا نادرًا. فإما أن نعيد من خلالها ترتيب الصف الوطني، أو نظل أسرى شعارات لا تسندها أفعال.
وفي كل الأحوال، فإن السودان لا يزال يملك من أبنائه من يعرفون أين يقفون، ومتى يتحدثون، وكيف يدافعون عن ترابه.