مقالات الرأي
أخر الأخبار

منبر_الكلمة جلال الجاك ادول تحالف الدم والفكر: الحلو ودقلو على حافة الطلاق

منبر_الكلمة

جلال الجاك ادول

تحالف الدم والفكر: الحلو ودقلو على حافة الطلاق

منذ اللحظة الأولى، كان التحالف بين الحركة الشعبية شمال (جناح عبد العزيز الحلو) ومليشيات الدعم السريع بقيادة آل دقلو، يبدو أشبه بصفقة وقتية بين خصمين في الجوهر، جمعتهما الحرب وفرقتهما الأهداف. واليوم، ومع الانسحاب المفاجئ لقوات الحلو من دارفور وتصاعد المشاحنات العرقية بين المقاتلين، تتكشف حقيقة أن هذا التحالف لم يكن سوى زواج متعة سياسي انتهت مدته، وربما طلاقه بات على الأبواب.

الحلو ينحدر من حركة سياسية-عسكرية لها جذور في ثورات الهامش السوداني، خصوصًا في جبال النوبة، تحمل رؤية أيديولوجية واضحة السودان الجديد العلماني، وفصل الدين عن الدولة، وإنهاء هيمنة المركز العربي-الإسلامي على الأطراف. هذه الحركة كانت تاريخيًا في حالة عداء مع الجنجويد، الذين هم النواة التي خرجت منها مليشيات الدعم السريع.
أما الدعم السريع، فبُني على إرث الجنجويد في دارفور، قوة قُبلية مسلحة تم توظيفها في صراعات النظام البائد لقمع التمردات، ومارست انتهاكات واسعة النطاق في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، أي في مناطق يعتبرها الحلو ساحات نضال لأهله.

عبد العزيز الحلو يقاتل وفي رأسه مشروع سياسي واضح علمانية الدولة، حق تقرير المصير، وإعادة صياغة هوية السودان على أسس جديدة. بينما آل دقلو يرون الحرب من منظور مختلف كليًا صراع سلطة وثروة وبقاء، قائم على “دولة العطاوة” التي تقوم على الولاء الدموي للمجموعة القبلية، لا على أي مشروع وطني أو فكري. هذا التناقض الجوهري جعل الشراكة بينهما تقوم على مصلحة مؤقتة، لا على اتفاق إستراتيجي.

الانسحاب المفاجئ لقوات الحلو من محاور دارفور نحو كاودا، رغم التفاهمات السابقة، كان بمثابة صفعة سياسية وعسكرية لقيادة الدعم السريع. هذا الانسحاب يعكس أن الحلو بدأ يدرك أن البقاء في معارك لا تخدم إلا أجندة دقلو القبلية سيضر بمصداقيته، خاصة أمام قواعده التي ترى في الدعم السريع خصمًا تاريخيًا، لا حليفًا. المشاحنات العرقية الأخيرة في نيالا بين مقاتلي الحلو وعناصر الدعم السريع لم تكن حادثة عابرة، بل إحياء لذاكرة دموية من الحروب السابقة بين الطرفين.

ورغم هذه الشروخ، جرى في العاصمة الكينية نيروبي يوم 5 أغسطس 2024 الإعلان عن ما سُمّي بـحكومة التأسيس، التي وضع على رأس مجلسها محمد حمدان دقلو رئيسًا وعبد العزيز الحلو نائبًا له، في خطوة جرى الترويج لها كمشروع لإدارة السودان مستقبلاً. لكن خلف الكواليس، لعبت الإمارات دور الممول والمشجع لهذا الترتيب، سعيًا لضمان نفوذها الاقتصادي والسياسي في قلب السودان، فيما قامت كينيا بدور المنسق والمضيف، باحثة عن مكانة إقليمية أكبر ودور سياسي في الملف السوداني.

المعضلة أن هذه الحكومة، حتى لو وُلدت، ستبقى هشة وقصيرة العمر. فالحلو لن يقبل أن يكون نائبًا في دولة لا تنص صراحة على العلمانية، بينما الدعم السريع لا يرى في العلمانية سوى تهديد لبنيته الاجتماعية. يضاف إلى ذلك غياب الثقة التاريخي وتضارب مراكز النفوذ، ما يجعل هذه الصيغة مرشحة لأن تتحول إلى مسرح لصراع النفوذ بدلًا من منصة لبناء الدولة، وربما تنتهي بانفجار داخلي يعيد كل طرف إلى خندقه الطبيعي قوى متناحرة، لا شركاء في حكم واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى