*رأي إعلامي* أ/ شاذلي عبدالسلام محمد *تجاعيد الزمن وفتنة الهاتف*

*رأي إعلامي*
أ/ شاذلي عبدالسلام محمد
*تجاعيد الزمن وفتنة الهاتف*
🔹ويل لأمة تلبس ما لا تنسج وتأكل مما لا تزرع وتشغلها التوافه عن عظائم الأمور.” جبران خليل جبران…..
🔹أمس وبينما كنت أطالع منصات الميديا وقعت عيني على ما كتبه الصحفي المعروف عثمان ميرغني وهو تعليق قصير لكنه كاشف لحقيقة كبيرة “العاصمة مشغولة بأخبار القبض على عصابة سرقت موبايل.” كلمة عابرة لكنها كانت كافية لتلخص حال الخرطوم المنقلبة عن بكرة أبيها مدينة كاملة تتحول إلى ساحة جدل بسبب فيديو سرقة هاتف بينما في فاشر السلطان هناك معارك حقيقية تدور ودماء زكية تراق وانتصارات للجيش تسطر بأحرف من نار ونور المفارقة صادمة فالخرطوم تتفرج على فيديو موبايل والفاشر تكتب تاريخ وطن……
🔹أي زمن هذا الذي صار فيه الهاتف المحمول أكثر حضورا في وعينا من معركة مصيرية يخوضها جيشنا؟ أي منطق هذا الذي يجعل عاصمة البلاد تهتز بسبب حادثة جنائية صغيرة في حين أن مدينة بأكملها تعيش تحت أزيز الرصاص وصوت المدافع ويفرض أبناؤها ملحمة وطنية على العالم أجمع؟..
🔹عثمان ميرغني لم يقصد أن يهون من شأن الأمن في الخرطوم لكنه أراد أن يضع إصبعه على الجرح إننا صرنا مجتمعا تدار بوصلته من مقاطع قصيرة على وسائل التواصل ننشغل بالتفاصيل الهامشية وننسى جوهر المعركة ما يحدث في الخرطوم ليس مجرد انشغال عابر بل صورة من صور فقدان التوازن وصورة تعكس كيف يمكن أن نقاد بوعي مزيف بعيدا عن قضايانا الحقيقية…..
🔹إن الذين ضخموا فيديو السرقة حتى صار حديث المدينة لا يفعلون ذلك صدفة هناك دائما جهة ما تدرك أن الانتصارات التي يحققها الجيش في فاشر السلطان تعيد للشعب ثقته وتزرع الأمل في النفوس وهذه الانتصارات لا تناسب أجندة من يريدون أن يظل الوطن غارقا في الإحباط واليأس لذلك يلقى إلى الناس طعم “التلفون المسروق” فيتداولونه و يضحكون و يلعنون ويتجادلون وينسون أن في الطرف الآخر من البلاد رجالا يواجهون الموت ليبقى الوطن…..
🔹الحرب في السودان لم تعد حرب رصاص فقط بل حرب معنويات وإعلام و حين يحقق الجيش نصرا فإن أول ما يسعى خصوم الوطن إلى فعله هو طمس هذا النصر أو تغطيته بضجيج آخر وما الضجيج إلا هذا النوع من الحوادث المفتعلة أو المضخمة التي تشغل العقول وتثير الغبار حول الأعين وهنا يصبح السؤال هل نحن أمام مجتمع يلهو عن نفسه أم أمام مخطط لإغراق الخرطوم في تفاهة مدروسة؟….
🔹بين الخرطوم والفاشر مسافة مئات الكيلومترات لكنها في الحقيقة مسافة بين وعيين وعي مأسور بالتوافه ووعي يصنع البطولة ففي الخرطوم قيل إن المدينة انقلبت عن بكرة أبيها بسبب فيديو وفي الفاشر انقلبت المعركة لصالح الجيش السوداني وهو انقلاب حقيقي أعظم بكثير من كل ضجيج العاصمة فالفرق بين المشهدين كالفرق بين الضوء والظل هناك من يضيء بدمه الطريق وهناك من يتسكع خلف شاشة هاتف…..
🔹لقد صار الزمن متجعدا حقا تجاعيد تكشف وجها قاسيا شعب يلهث خلف التفاهة ويصمت عن المعارك التي تحدد مصيره ومع ذلك فإن الحقيقة ستظل أقوى من كل فيديو وأعلى من كل ضوضاء فالهاتف قد يسرق لكن انتصارات الجيش لا تسرق….
🔹إن ما كتبه عثمان ميرغني لم يكن مجرد ملاحظة عابرة بل كان جرس إنذار علينا أن ننتبه ليس أخطر على الأوطان من شعب يفقد أولوياته فإذا انشغلنا بالسطحيات وتركنا الجوهر فسنجد أنفسنا في النهاية بلا هاتف وبلا وطن…..
🔹الي ان نلتقي……
٢٦ أغسطس ٢٠٢٥م