#البعد_الاخر مصعب بريــر الأسباب الحقيقية لانهيار الخدمة المدنية السودانية خلال الخمس سنوات الماضية ..!

#البعد_الاخر
مصعب بريــر
الأسباب الحقيقية لانهيار الخدمة المدنية السودانية خلال الخمس سنوات الماضية ..!
تُعد الخدمة المدنية الركيزة الأساسية لإدارة الدولة وضمان استمرار المرافق العامة وتقديم الخدمات للمواطنين بكفاءة وعدالة. غير أن السودان شهد خلال السنوات الخمس الماضية انهياراً مريعاً في مؤسسات الخدمة المدنية، انعكس في ضعف الأداء، تراجع الإنتاجية، وانعدام الثقة بين المواطن والدولة. ويمكن تتبع هذا الانهيار من خلال مجموعة من الأسباب السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية المتشابكة.
أول هذه الأسباب يتمثل في عدم الاستقرار السياسي الذي لازم السودان بعد سقوط النظام السابق عام 2019. فقد أدت الصراعات والانقسامات الحادة بين مكونات السلطة الانتقالية، إلى تعطيل مشاريع الإصلاح الإداري والمؤسسي. وظل الجهاز التنفيذي رهيناً للتجاذبات السياسية، مما شل عملية اتخاذ القرار وأفقد الخدمة المدنية استقلاليتها التي يفترض أن تكون محايدة ومهنية.
ثانياً، الفساد المؤسسي والتمكين الحزبي لعبا دوراً أساسياً في إضعاف الخدمة المدنية. فخلال العقود الماضية تم ملء مؤسسات الدولة بالمحسوبية والولاءات الضيقة، وبدلاً من اعتماد معايير الكفاءة والجدارة، أصبحت التعيينات والترقيات قائمة فى معظمها على الانتماء السياسي. وبرغم الوعود بإزالة التمكين بعد الثورة، إلا أن الصراعات حول كيفية التنفيذ وغياب الإرادة الموحدة عرقلت الإصلاح، مما جعل الخدمة المدنية عالقة بين ماضٍ مترهل وحاضر مضطرب وخطوات اصلاحية خاطئة بل واجرامية فى معظمها كما وثقته قرارات لجنة إزالة التمكين التى ألغت معظمها المحاكم السودانية لاحقا.
ثالثاً، لا يمكن إغفال الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ضربت السودان في السنوات الأخيرة. فقد أدى تدهور العملة الوطنية، وانعدام الموارد المالية، إلى ضعف مرتبات العاملين بالدولة وتراجع قدرتهم الشرائية. هذا الواقع دفع الكثير من الكفاءات إلى الهجرة أو البحث عن فرص خارج الجهاز الحكومي، ما تسبب في نزيف مستمر للخبرات والمهارات. كما انعكس ضعف التمويل على المؤسسات الخدمية نفسها، حيث تراجعت قدراتها التشغيلية بشكل ملحوظ.
رابعاً، جاء اندلاع الحرب في أبريل 2023 كضربة قاصمة لما تبقى من هيكل الخدمة المدنية. إذ دُمرت البنية التحتية للمؤسسات الحكومية في العاصمة وعدد من الولايات، وتعطلت السجلات والأنظمة الإدارية، وتشتت الموظفون بين مناطق النزوح والهجرة. وبذلك دخلت الخدمة المدنية مرحلة شبه شلل كامل، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والخدمات البلدية.
خامساً، ضعف التشريعات والإصلاح المؤسسي أسهم في استمرار التدهور. فالإصلاح الإداري ظل محصوراً في الشعارات دون وجود خطط واضحة أو قوانين تضمن إعادة بناء الخدمة المدنية على أسس حديثة. كما أن غياب الرقابة الفاعلة والمساءلة الحقيقية مع تجميد الحركة النقابيّة بقرارات سياسية أتاح استمرار الممارسات غير السليمة داخل المؤسسات العامة.
وأخيراً، كان غياب الرؤية الاستراتيجية الوطنية من أهم أسباب الانهيار. فالدولة لم تضع خلال هذه السنوات خطة متكاملة لإصلاح الخدمة المدنية، بل ظلت القرارات ارتجالية وردود فعل لأزمات متلاحقة. النتيجة أن الخدمة المدنية فقدت دورها كأداة فاعلة للتنمية والإدارة، وأصبحت مجرد جهاز مثقل بالبيروقراطية والضعف.
بعد اخير ؛
خلاصة القول، إن انهيار الخدمة المدنية السودانية في السنوات الخمس الماضية لم يكن وليد سبب واحد، بل هو حصيلة تفاعل معقد بين الاضطرابات السياسية، الفساد، الأزمة الاقتصادية، الحرب، وغياب الرؤية الإصلاحية. إعادة بنائها تتطلب إرادة سياسية صلبة، إصلاحات تشريعية وإدارية جذرية، واستثماراً في الكفاءات البشرية حتى تستعيد الدولة السودانية جهازها التنفيذي كأداة فاعلة في خدمة المواطن والتنمية.. واخيراً ، الخدمة المدنية ليست مجرد مكاتب وأوراق، بل هي قلب الدولة النابض، فإذا انهار القلب تعطلت الحياة. وما جرى في السودان خلال السنوات الماضية كان نزيفاً بطيئاً أوصل هذا القلب إلى حافة الموت. اليوم، لا مجال للتسويات ولا الأعذار؛ إما أن نعيد بناء مؤسساتنا على أسس العدالة والكفاءة، أو نترك الوطن يضيع في دوامة الفوضى. السودان يستحق خدمة مدنية قوية تعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتفتح الطريق نحو مستقبل يليق بتضحيات أبنائه … و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الخميس (28 اغسطس 2025م)
musapbrear@gmail.com