
مجرد رأي: عندما تتحول الدبلوماسية إلى ساحة تصفية حسابات ضيقة
في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى توحيد صفوفها والاستفادة من كل الكفاءات الوطنية المخلصة، نرى للأسف كيف تتحول بعض المنابر إلى أدوات للطعن في من قدّموا لوطنهم بصدق، لا لذنبٍ سوى أنهم لا ينتمون إلى المكوّن التقليدي الذي احتكر مفاصل الدولة لعقود طويلة.
الحملة المنظمة التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا ضد السفير السوداني في بلجيكا ليست صدفة، وليست نقاشًا إداريًا بريئًا حول التمديد أو الإجراءات، بل هي استهداف ممنهج لرجلٍ من أبناء جبال النوبة، مثّل السودان في المحافل الدولية بكل كفاءة واقتدار، ورفع اسم البلاد عاليًا بعمله الدبلوماسي الرصين وفهمه العميق للسياسات الداخلية والخارجية.
من المؤسف أن نرى بعض الأصوات — المحسوبة على ما يُعرف بـ “دولة 56” — تحاول حصر العمل الدبلوماسي في دائرة ضيقة من المكونات، وكأن السودان ملكية خاصة لمجموعة دون سواها. هذه العقليات التي ظلت لعقود تستمتع بامتيازات تاريخية، ترى في أي كفاءة وطنية من خارج منظومتها تهديدًا لاحتكارها القديم، فتبدأ حملات التشويه والهمس المغرض، مستخدمة وسائل التواصل كمنصات للاغتيال المعنوي.
السفير الذي يُستهدف اليوم لم يُمدَّد له لأنه صاحب ولاء شخصي، بل لأن أداءه كان نموذجًا يحتذى به، ووجوده في هذا الموقع كان في مصلحة السودان، لا في مصلحة جهة أو فرد. وعوضًا عن أن يُشكر على تمثيله المشرف، يُهاجم فقط لأنه لا ينتمي إلى تلك النخبة التي ظلت تعتبر مؤسسات الدولة مزرعة خاصة بها.
إن الدبلوماسية ليست مجالًا لتصفية الحسابات الجهوية، بل هي واجهة الدولة أمام العالم. ومن واجبنا الوطني أن ندافع عن كل من يمثل السودان بجدارة، أياً كان أصله أو منطقته، وألا نسمح لعقليات التمييز والإقصاء أن تعبث بمؤسساتنا.
لقد آن الأوان لكسر احتكار النخبة القديمة لمفاصل الدولة، وفتح الباب أمام كل الكفاءات الوطنية من كل أنحاء السودان. إن مشروع “النهر والبحر” الذي يسعى إلى إعادة إنتاج التمييز القديم لن يمر، لأن السودان أكبر من أي جهة، وأوسع من أن يُختزل في مكوّن واحد.
📝 في الختام:
الهجوم على السفير ليس هجومًا على شخصه فحسب، بل على مبدأ العدالة والمواطنة المتساوية. الدفاع عنه اليوم هو دفاع عن وطن يتسع للجميع، لا وطن يُدار بعقلية الامتيازات القديمة.