
مجدي الروبي يكتب..
الجهاز القومي لتشغيل الخريجين ودوره في مرحلة ما بعد الحرب
في ظل الظروف الاستثنائية التي مر بها السودان خلال الحرب الأخيرة تبرز الحاجة الملحة اليوم إلى تفعيل مؤسسات الدولة التي تمثل ركيزة أساسية في إعادة البناء والتنمية وعلى رأسها الجهاز القومي لتشغيل الخريجين. تم إنشاء الجهاز القومي لتشغيل الخريجين في السودان في عام 1998م، بموجب قرار جمهوري صدر بهدف معالجة مشكلة البطالة وسط الخريجين وتوظيف طاقاتهم في مشروعات إنتاجية وخدمية تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأصل ليكون حلقة وصل بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل أصبح اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى خاصة مع عودة الأمن والاستقرار إلى عدد من الولايات السودانية.
لقد أثبت الشباب والخريجون السودانيون خلال الحرب معدنهم الأصيل إذ انخرطوا في صفوف القوات المسلحة مستنفرين دفاعًا عن الوطن وضحّوا بجهدهم ووقتهم ودمائهم من أجل بقائه واليوم، بعد أن وضعت الحرب أوزارها في كثير من المناطق فإن دورهم لا يجب أن يتوقف عند حدود الدفاع العسكري بل يجب أن يمتد إلى الدفاع المدني والإعمار الوطني من خلال المساهمة في بناء ما دمرته الحرب في كل المجالات التعليم والصحة والزراعة والبنية التحتية والخدمات العامة.
وهنا يأتي الدور الحيوي للجهاز القومي لتشغيل الخريجين الذي يجب أن يتحول إلى محرك رئيسي لنهضة ما بعد الحرب فالتحديات التي تواجه السودان اليوم ليست فقط في إعادة الإعمار المادي بل في إعادة الثقة بين المواطن والدولة وإحياء روح العمل والإنتاج وسط الشباب. وهذا لا يتحقق إلا عبر برامج تشغيل فعّالة تستوعب الطاقات العلمية والفكرية الهائلة التي تخرجت من الجامعات والمعاهد.
إن تفعيل دور الجهاز القومي لتشغيل الخريجين يتطلب إعادة هيكلته وفق رؤية وطنية جديدة تراعي الواقع الراهن وتربط خططه بأولويات إعادة الإعمار. فبدلًا من التركيز على الوظائف التقليدية، يجب توجيه الجهود نحو مشروعات إنتاجية وتنموية في الولايات الآمنة، خاصة في الزراعة والصناعات الصغيرة والخدمات التقنية بما يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
كما يجب أن تتبنى الدولة برامج شراكة بين الجهاز والقطاع الخاص والمنظمات الوطنية والدولية لتوفير التمويل والتدريب اللازمين للخريجين، بما يجعلهم عناصر فاعلة في التنمية بدلًا من أن يكونوا عاطلين عن العمل. فالشباب الذين دافعوا عن الوطن بالسلاح قادرون على الدفاع عنه اليوم بالعلم والعمل والإنتاج.
إن إعادة تفعيل دور الجهاز القومي لتشغيل الخريجين ليست مجرد خطوة إدارية فقط بل ضرورة وطنية ملحة وخطوة استراتيجية لإنقاذ السودان من تداعيات الحرب واستثمار الطاقات الشابة في بناء مستقبل آمن ومستقر فكما كان الخريجون حماة للوطن في زمن اشتد الحرب ودعي الداعي يجب أن يكونوا عمّاره في زمن السلام.



