مقالات الرأي
أخر الأخبار

همسه وطنيه دكتور طارق عشيري كيف نرتب البيت الكبير بعد الحرب؟

همسه وطنيه
دكتور طارق عشيري

كيف نرتب البيت الكبير بعد الحرب؟
حينما تضع الحروب أوزارها، يبدأ الوطن في كتابة صفحة جديدة من تاريخه. والسودان ما بعد النصر ليس هو ذات السودان الذي دخل أتون الحرب مثقلاً بالجراح والتحديات، بل هو وطن خرج من رحم المعاناة أكثر وعيًا
والحروب مهما كانت دوافعها تترك وراءها آثارًا عميقة في النفوس والمجتمعات، وحرب الكرامة في السودان لم تكن استثناءً. فقد كشفت عن صلابة الشعب وإيمانه بوطنه، لكنها في ذات الوقت أظهرت حجم الخراب والتفكك الذي أصاب “البيت الكبير” ـ السودان. واليوم يبرز السؤال الأكبر: كيف نرتب هذا البيت بعد أن عصفت به العواصف؟
أول ما يحتاجه البيت الكبير هو ترميم الجدران المتهالكة بالوحدة الوطنية. فلا مستقبل لوطن تتنازعه القبائل والجهويات، ولا قوة لشعب يفتقد الثقة بين مكوناته. الوحدة هي الأساس الذي يقوم عليه أي بناء، وبغيرها يصبح كل جهد بلا قيمة.
ثم يأتي دور تنظيف الغرف من الفساد، ذلك المرض الذي أكل جسد الدولة لسنوات طويلة. فلا معنى لإعادة البناء إذا بقيت ذات الأيادي الملوثة تعبث بالموارد وتبدد أحلام الشعب. لابد من محاسبة جادة وشفافية كاملة لتعود الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم.
أما الشبابيك، فيجب أن تُفتح على مصراعيها للحرية والعدالة. فالنظام السياسي الذي يُقصي الناس ويكمم الأفواه، لن ينجح في بناء سودان جديد. الحرية ليست ترفًا، بل شرط أساسي لنهضة الشعوب، والعدالة هي الضمان الحقيقي للسلام والاستقرار.
وبعد ذلك يجب إعادة توزيع الأدوار داخل البيت عبر حكم رشيد ومؤسسات قوية، تحكم بالقانون لا بالمجاملات ولا بالمصالح الضيقة. فكل فرد في السودان له دور ومسؤولية، من المواطن البسيط وحتى القيادة العليا.
ولا يكتمل الترتيب دون إعادة تنظيم أثاث البيت بالاقتصاد والتنمية. السودان غني بموارده، لكن سوء الإدارة حرمه من النهوض. اليوم لا بد من الاستثمار في الزراعة والصناعة والتعليم، ووضع خطط عملية تضع مصلحة المواطن في المقدمة.
وأخيرًا، يظل النور الذي يضيء البيت الكبير هو الوعي. فالتجارب علمتنا أن السلاح وحده لا يصنع وطنًا، وإنما الوعي بقيمة السلام، وثقافة التسامح، والتربية على حب الوطن هي التي تضمن ألا نعود إلى دوامة الصراع مرة أخرى.
إن ترتيب البيت الكبير بعد حرب الكرامة ليس مهمة مستحيلة، لكنه يحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالأخطاء، ورغبة صادقة في التغيير، وإرادة جماعية ترى أن السودان يستحق أفضل مما هو فيه.
وان يكون أشد تمسكًا بوحدته، وأقوى عزيمة على النهوض من تحت الركام. فالنصر الحقيقي لا يُقاس فقط بدحر الأعداء، وإنما بقدرتنا على بناء دولة عادلة، متماسكة، تُعلي من شأن المواطن وتعيد إليه ثقته في وطنه. إن مرحلة ما بعد النصر هي امتحان الإرادة الوطنية، إما أن نصنع بها مجد السودان القادم، أو نكرر ذات الأخطاء التي قادتنا إلى دوائر الصراع. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى