مقالات الرأي
أخر الأخبار

عودة التظاهرات… هل هي احتفال أم محاولة لإعادة تفكيك الدولة؟

عودة التظاهرات… هل هي احتفال أم محاولة لإعادة تفكيك الدولة؟

إدريس هشابه

يثير السماح بخروج تظاهرات تحت دعاوى الاحتفال بذكرى ما يُسمّى بثورة ديسمبر تساؤلات عميقة حول التوقيت والمقاصد، خاصة في ظل واقع أمني وسياسي معقّد تعيشه البلاد. فهذه التحركات لا يمكن فصلها عن مسار تفكيك الدولة السودانية الذي بدأ فعليًا منذ العام 2019، ولا عن نتائج ذلك المسار التي قادت إلى إضعاف مؤسسات الدولة وفتح الباب أمام الفوضى والحرب.

السماح بمثل هذه الأنشطة في هذا التوقيت يُعد استفزازًا مباشرًا لمشاعر أسر الشهداء الذين قدّم أبناؤهم أرواحهم ثمنًا لتطهير المدن من دنس المليشيا المتمردة، تلك المليشيا التي تسببت في تدمير البنية التحتية وتشريد الملايين، وانضم إلى صفوفها أو ساندها سياسيًا وإعلاميًا عدد من قيادات وأنصار ما عُرف بثورة ديسمبر، ممن تحوّل خطابهم من شعارات الحرية إلى ممارسات الخراب والدمار.

إن التلكؤ في التعامل الحاسم مع مجموعات سياسية وإعلامية معروفة، فرّ كثير من أفرادها إلى الخارج، ثم عادوا بعد تحسن الأوضاع الأمنية وتحرير الخرطوم، يحمل في طياته نتائج كارثية. والسؤال المشروع هنا: لماذا لم تخرج هذه الأصوات حين كانت المليشيا تسيطر على العاصمة؟ ولماذا لم تُنظم تظاهرات ضد القتل والنهب والاغتصاب وتدمير الدولة؟ وهل انتهت الحرب أصلًا حتى تُقام مثل هذه “الاحتفالات” التي تتجاهل واقع النار المشتعلة في كردفان ودارفور؟

إذا كان هؤلاء بالفعل يؤمنون بالثورة والتغيير، فإن الطريق الحقيقي لذلك لا يمر عبر الشوارع في العاصمة الآمنة نسبيًا، بل عبر تحمل المسؤولية الوطنية، والوقوف مع معركة تطهير ما تبقى من المدن، حتى يعود النازحون إلى ديارهم ويستعيد السودان عافيته.

البلاد اليوم في حالة حرب، والسلطة القائمة هي سلطة جيش يخوض معركة وجود دفاعًا عن الدولة. وفي مثل هذه الظروف، لا تُدار الأمور بمنطق الترف السياسي أو الشعارات الفضفاضة. الجيوش لا تُكلف بإدارة تجارب ديمقراطية، بل بحماية السيادة وحفظ وحدة البلاد. وأي تساهل مع أنشطة سياسية مشبوهة في هذا التوقيت قد يعيد السودان إلى المربع الأول، ويفتح ثغرات يستفيد منها أعداء الداخل والخارج.

ليس من قبيل الصدفة أن تتزامن عودة هذه التظاهرات مع عودة الحكومة إلى الخرطوم. توقيت محسوب بدقة، ورسالة سياسية واضحة تهدف إلى التشويش على أي استقرار نسبي، وإرباك المشهد، وإحياء سرديات سقطت أمام وعي السودانيين وتضحياتهم.

إن حماية الدولة اليوم تتطلب وضوحًا في الموقف، وحسمًا في القرار، فالمعركة لم تنتهِ بعد، وأي تهاون قد يكون ثمنه باهظًا على الوطن ومستقبله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى