مقالات الرأي
أخر الأخبار

بين الحظ والقداسة… حكاية السلطة حين تُمنح لمن لا يستحق إدريس هشابه

بين الحظ والقداسة… حكاية السلطة حين تُمنح لمن لا يستحق

إدريس هشابه

يُحكى أن ملكًا أرقه سؤال بسيط في ظاهره، عميق في جوهره:
أيهما أفضل في حياة البشر… الحظ أم القداسة؟
لم يستطع النوم، فأرسل ليلًا في طلب أرجح مستشاريه عقلًا. وحين وقف المستشار بين يديه، سأله الملك مباشرة.
أجاب المستشار بلا تردد: القداسة يا مولاي.
ضحك الملك، وقال: سأثبت لك أن الحظ أقوى.
وفي صباح اليوم التالي، خرج الملك إلى السوق، يتفحص وجوه رعيته، حتى وقع بصره على حمالٍ بائس، أشعث، منهك. أمر الحراس بتنظيفه، وإلباسه الحرير، ومنحه منصب وزير.
ثم التفت إلى مستشاره منتصرًا:
أيهما أفضل الآن؟
ابتسم المستشار وقال: لا تزال القداسة، واسمح لي أن أبرهن لك.
توجه المستشار إلى السوق، فوجد حمارًا هزيلًا، هرِمًا، لم يعد يقوى على حمل الأمتعة. اقترب منه، وربت على جسده أمام الناس، وقال بصوت جهوري:
أيها الناس، هذا حمارٌ مبارك، حمل على ظهره نبيًا ذُكر في كتابٍ عظيم، ومن عظّمه نال البركة والمنفعة.
لم تمضِ لحظات حتى التف الناس حول الحمار.
هذا يغسل رجليه تبركًا، وتلك تأخذ من صوفه طلبًا للحظ. أطعموه، بنوا له مأوى، عيّنوا له حراسًا وخدمًا، وأصبح للحمار شأن ومكانة، يُقدّس ويُكرّم ويُخدم.
رأى الملك المشهد، فانحنى رأسه دهشة.
قال له المستشار:
أنت يا مولاي أخذت حمالًا ومنحته الحظ: مالًا، ومنصبًا، وسلطة… ويمكنك في أي لحظة أن تسلبه كل ذلك.
أما أنا، فقد منحت الحمار القداسة… ولن تستطيع، حتى أنت، أن تنزعها عنه.
وهنا تكمن الحكمة.
كم من حميرٍ جلبناهم إلى مواقع السلطة، وألبسناهم ثياب الحظ، فأساؤوا استخدامها، وتخبطوا في قراراتهم، وهدموا ما بناه غيرهم، وأغلقوا أبواب الأمل في وجه الناس؟
السلطة التي تُمنح بلا استحقاق لا تصنع رجال دولة، بل تصنع كوارث.
ومن لا يملك عقلًا أو وعيًا أو ضميرًا، إذا امتلك القرار، تحوّل من حمارٍ في السوق إلى حمارٍ في الحكم… والفرق أن الأذى هنا يصبح عامًا.
ليست المشكلة في الحظ، بل في من يقع عليه الحظ.
وليست الكارثة في السلطة، بل في من يُقدَّس وهو لا يستحق إلا أن يُقاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى