مقالات الرأي
أخر الأخبار

حين تتقاطع خرائط التفتيت من القرن الإفريقي إلى شاطئ السودان.. بقلم د. إسماعيل الحكيم*

*حين تتقاطع خرائط التفتيت من القرن الإفريقي إلى شاطئ السودان.. بقلم د. إسماعيل الحكيم* *Elhakeem.1973@gmail.com*
إن تفكيك الدول عبر بوابة “الاعتراف” ليس جديدًا في قاموس القوى التي تتغذى على هشاشة الدول الوطنية، لكنه اليوم يأخذ شكلًا أكثر وقاحة، وأكثر تزامنًا مع صراعات الإقليم، من غزة إلى البحر الأحمر، ومن مقديشو إلى الخرطوم.
إذ لم يكن اعتراف إسرائيل بانفصال إقليم صومال لاند عن الدولة الصومالية خطوة معزولة عن سياقها، ولا زلّة دبلوماسية عادية في سجل السياسة الخارجية لكيان اعتاد العبث بالجغرافيا حين تعجزه الوقائع. بل جاء الاعتراف بمثابة حجر جديد يُلقى في بركة القرن الإفريقي الراكدة، ليُعيد تشكيل دوائر الصراع، ويكشف عن خرائط خفية يُراد لها أن تُرسم على مهل، وبأدوات ناعمة حينًا، وخشنة حينًا آخر.
إن توقيت الاعتراف هذا يحمل دلالات لا تخفى على المتابعين: فـصومال لاند ليست إقليماً معزولاً يسعى للانفصال، بل شريط استراتيجي مطل على واحد من أخطر الممرات البحرية في العالم. ومن يضع قدمه هناك، إنما يضع عينه على البحر الأحمر، وعلى خاصرة الجزيرة العربية، وعلى أمن القرن الإفريقي برمّته.
وهنا تتقاطع خيوط المصالح مع تحركات ما بات يُعرف في الخطاب الإقليمي بـ“دويلة الشر”، التي لم تُخفِ أطماعها يومًا في السيطرة على الموانئ، وتمديد النفوذ عبر وكلاء، وتغذية الفوضى بوصفها أقصر الطرق للتمكين. فالموانئ لا تُحتل دائمًا بالجيوش، بل أحيانًا بالاستثمارات المشبوهة، والاتفاقات الرمادية، ودعم الكيانات الهشّة الخارجة عن الإجماع الوطني.
ومن يظن أن السودان بعيد عن هذه التحولات، فهو إما غافل أو متغافل. فالسودان، بموقعه وتاريخه وثقله، ظل هدفًا دائمًا لمشاريع التفكيك، لا سيما حين قرر أن يكون دولة لا مزرعة، وجيشًا لا مليشيا، وسيادة لا وظيفة.
إن ما يجري في الصومال، وما يُخطط له على سواحل البحر الأحمر، لا ينفصل عن الحرب التي يخوضها السودان اليوم ضد مليشيا متمردة ارتهنت للخارج، وارتضت أن تكون أداة رخيصة في مشروع إقليمي قذر، هدفه كسر الدولة الوطنية، وتفريغ الجيوش من معناها، وتحويل الأوطان إلى جزر نفوذ متناحرة.
في هذا السياق، جاءت تصريحات القائد إبراهيم دنيا كاشفة أكثر مما هي مُعلِنة، إذ لم تضف جديدًا بقدر ما أزاحت الستار عن حجم التورط الإقليمي، وعن طبيعة المعركة التي لم تعد معركة داخلية كما يحاول البعض تسويقها، بل مواجهة مفتوحة مع مشروع عابر للحدود، يستثمر في الدم، ويقامر بمصير الشعوب.
تزامن كل ذلك مع زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى تركيا، في توقيت محسوب، ورسائل مدروسة، وتصريحات نارية لا تقبل التأويل. فقد جاء حديثه واضحًا في تجديد الثقة بالمؤسسة العسكرية، وبكل من يقاتل معها في خندق واحد، مؤكدًا أن الجيش السوداني ليس في موضع الدفاع عن النفس فحسب، بل في موقع الفعل، وقادر ـ بإذن الله وإرادة رجاله ـ على حسم المعركة، وتحرير كل شبر من أرض السودان من رجس ونجس المليشيا المتمردة.
فلم تكن تلك التصريحات للاستهلاك الإعلامي، بل إعلانًا سياسيًا وعسكريًا بأن زمن المساومات قد انتهى، وأن السودان أدرك أخيرًا طبيعة المعركة، وأسماء اللاعبين، وحدود الصبر.
إن الاعتراف الإسرائيلي بصومال لاند، وتحركات دويلة الشر على ساحل البحر الأحمر، وتصاعد الخطاب العسكري السوداني، ليست أحداثًا متفرقة، بل فصول في كتاب واحد عنوانه: إعادة تشكيل الإقليم. غير أن الفارق الجوهري هو أن السودان، هذه المرة، لا يقف متفرجًا، بل لاعبًا واعيًا، يُقاتل دفاعًا عن دولته، ويقرأ الخرائط قبل أن تُفرض عليه.
وفي معركة كهذه، لا يكون الحسم بالسلاح وحده، بل بالوعي… والوعي هو السلاح الذي لا يُستورد، ولا يُشترى، ولا يُهزم. فانتبهوا ياااااااا أولي الألباب..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى