مقالات الرأي
أخر الأخبار

حين يصغي الوزير للنقد… هكذا يجب أن تُبنى حكومة الأمل بقلم إدريس هشابه

حين يصغي الوزير للنقد… هكذا يجب أن تُبنى حكومة الأمل

إستمعتُ إلى تسجيل صوتي منسوب إلى وزير الثروة الحيوانية والسمكية، البروفيسور أحمد التجاني، وهو يرد على مقال نقدي للصحفي المهني النابه الطاهر ساتي، ففتح ذلك باباً مهماً للنقاش حول علاقة الدولة بالإعلام، وحدود النقد، وكيفية التعاطي المسؤول معه في سودان ما بعد الحرب.
بادئ ذي بدء، لا بد من الإشادة بهذا النهج المتقدم في التعامل مع الصحافة؛ إذ تابع الوزير ما كُتب حول خطته، ووضعه في ميزان النقد، ثم تفاعل معه بالشرح والتوضيح وتفنيد ما ورد فيه. وهو سلوك يعكس ممارسة ديمقراطية راشدة، تقوم على احترام دور الإعلام، والإقرار بأهميته كشريك أصيل في الرقابة والتقويم، لا كخصم ينبغي تجاهله أو شيطنته.
أما دفاع الوزير عن خطته لتطوير قطاع الإنتاج الحيواني، وتحديداً ما يتصل بإنشاء مركز للإنتاج الحيواني بولاية نهر النيل – وهي ولاية لا تُعد تقليدياً من حواضن الثروة الحيوانية – فقد كشف عن رؤية لم تُبنَ على الارتجال، وإنما استندت إلى دراسات علمية روعي فيها عدد من المعطيات الموضوعية. من بينها القرب الجغرافي من ميناء بورتسودان لتسهيل عمليات التصدير، وضمان إنتاج لحوم وألبان ومنتجات حيوانية طازجة تلبي متطلبات المستهلكين، إلى جانب خطة تسويق واضحة ودراسة لسوق قادر على استيعاب هذه المنتجات.
هذا الطرح يعكس فهماً اقتصادياً حديثاً لإدارة الموارد، وينقل التفكير من منطق «مكان وجود القطيع» إلى منطق «سلسلة القيمة» الممتدة من الإنتاج إلى التسويق والتصدير. وهو تحول ضروري إذا أردنا النهوض بقطاع ظل لعقود أسيراً للاجتهادات المحدودة والشعارات العامة.
إن نماذج من طراز البروفيسور أحمد التجاني هي ما نأمل أن تتاح لها الفرصة الكاملة لتنفيذ رؤاها، إذا كنا جادين في تجاوز مرحلة الاستوزار التي خضعت طويلاً لمعايير المحاصصة والموازنات الجهوية والسياسية غير المنطقية، والتي أقعدت البلاد وأدخلتها في دوامة الفشل والعجز.
وهنا يبرز سؤال جوهري: هل تمتلك «حكومة الأمل» الشجاعة لوضع معايير واضحة لاستمرار الوزراء أو مغادرتهم، قائمة على الخطط المعلنة، والرؤى القابلة للتنفيذ، والأداء المقاس بالنتائج؟ إن خطة وزير الثروة الحيوانية، ونهجه في التعاطي مع النقد الإعلامي، يمكن أن تكون معياراً يُحتكم إليه في تقييم أداء بقية الوزراء، أولئك الذين لم نرَ لهم أو نسمع سوى الضجيج و«طق الحنك» دون أثر ملموس على أرض الواقع.
ختاماً، تظل الصحافة – حين تؤدي دورها المهني كما فعل الطاهر ساتي – حجر الزاوية في بناء دولة رشيدة، تراقب وتنتقد وتفتح النقاش العام. وحين يقابلها المسؤولون بالشرح والحجة، لا بالهجوم والتخوين، نكون قد خطونا خطوة حقيقية نحو سودان جديد، تُدار فيه الدولة بالعقل والخطة، لا بردود الأفعال والضجيج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى