الأخبار

*خدش الفراش* *كتب د./ قمرالانبياء عمارة* *طبيب نفسي*

من أنا؟
أتراك سألت نفسك يومًا هذا السؤال؟
هل وقفت يومًا أمام المرآة متسائلًا؟
هل بدت لك ملامحك غريبة وكأنك تراها لأول مرة؟
هل فكرت وأنت في وقفتك تلك عمَّ يوجد وراء هذا الجسد الذي يحيط بك ويكسوك؟
هل عرفت مصدر الصوت الذي يحدثك الآن سرًّا؟
من أين يأتي؟ وما مصدره؟ هل هو قريب جدًّا لدرجة أنك تسمعه بكل وضوحٍ، أم بعيد جدًّا لدرجة أنك لا تعرف مصدره؟
هل شعرت أنك تلمس نفسك؟
هل تجولت داخلك؟
السؤال الأهم: هل أنت الآن تحدث نفسك أم عقلك، أم الاثنين معا؟

أظنك – عزيزي القارئ – قد لاحظت أننا لم نشرك العقل معنا في هذه الحوارات، لكن ربما نعود إليه في المرة القادمة، خاصة وأن أهلنا لديهم اعتقاد جازم بأن القلب يري ويسمع ويتكلم.

ثمة من يصنف إن النفس والعقل على أنهما شيء واحد، ثمة من يقول إن النفس شيء والعقل شيء آخر، إلّا أنّ المتعارف عليه أن العلاقة بينهما وطيدة ؛ فالأفكار التي يعالجها العقل تؤثر على النفس، والعكس صحيح.

تحضرني هنا قصة مريضة قاربت الستين عامًا، أتت تشتكي من هلاوس، ومن ضمن حديثها أفصحت أنّ في بطنها أحد عشر نبيًّا (وعندما سألتها كيف يمكثون ببطنها؟ وكيف يعيشون؟ قالت: هم يعيشون بشكلٍ عادي؛ يأكلون ويشربون وينامون). عند تعافيها – بإذن الله – لم تعد تكرر ما كانت تقوله. بالطبع لا يخفى هنا التداخل العميق بين النفس ورغباتها وأحلامها، وبين العقل وصفوه وكدره.

في علم النفس، يمكن تعريف النفس على أنها الجانب الذي يشمل العواطف، والأفكار، والرغبات، والمعتقدات، والتصورات عن الذات وعن الآخرين.

لذا نجد الكثير من الناس يكتبون أو يتحدثون عن النفس، ولا زال الحديث والجدل وكذلك البحث في ماهية النفس مستمرًّا؛ فهي عند فرويد مثلا وهو مؤسس التحليل النفسي مقسمة إلى ثلاثة أقسام هي: (الهو، والأنا، والأنا العليا). كما قدم نظرياته عن اللاوعي والغرائز، وعن أثر الطفولة على النفس. لكن أتراه استطاع أن يحيط بهذه النفس بكل تعقيداتها ورحابتها، واتساع امتدادها؟
من العلماء أيضًا من قام بتجارب ودراسات عن النفس ومحاولة فهمها واستنباط دوافعها وميولها ورغباتها، أمثال بافلوف وواتسون وبياجيه وماسلو وغيرهم كثيرين.
أما في القرآن فإنّ كلمة النفس أتت بعدة معانٍ؛ فمرة تعني ذات الله: ﴿كتب على نفسه الرحمة﴾
ومرة أتت بمعنى الروح: ﴿ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية﴾.
والنفس في القرآن أتت بصفة المخلوق الذي له كيانه الخاص وصفاته ومميزاته؛ فالنفس تموت: ﴿كل نفس ذائقة الموت﴾، والنفس قد يظلمها صاحبها او الاخرين:﴿قالا ربنا، ظلمنا انفسنا﴾
والنفس قد تأمرك بالسوء: ﴿وماابرئ نفسي ان النفس لأمارة بالسوء﴾⋆
إذن هي محاولة لاكتشاف نفوسنا وعقولنا، وإصلاحها، وتنقيتها، وتنميتها، والعناية بها؛ وكما تراض الأجسام بالرياضة، كذلك ينبغي علينا أن نعتني بأنفسنا:
”هي النفسُ ماحمّلتَها تتحمّلُ
وللدهرُ أيامٌ تجورُ وتعدلُ“

هي دعوة للصداقة مع النفس؛ نتعهدها كما نتعهد أجسادنا، لانستحي أن نطلب عونًا، أو مساعده إنْ اعتراها مكروهٌ أو أصابها بعضٌ من رهق الحياة :
”اقبل على النفسِ واستكمل فضائلها
فأنت بالنفسِ، لا بالجسمِ إنسانُ“.

لنحمل نفوسنا إذن على كل خير ونرتاد بها آفاق كل جميل، نعينها إن تعبت، ونمسح عنها شعثها إنْ أُرهقت. نتلمس بها الجمال أنّى كان، نهديها الأمل والأمان، والنور والضياء والإيمان لتزهر بنا الحياة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(⋆) علم النفس القرآني، للكاتب دكتور عدنان الشريف، ص 36.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى