منبر_الكلمة جلال الجاك أدول الكرامة أولًا: السودان في مواجهة عربدة الإمارات

منبر_الكلمة
جلال الجاك أدول
الكرامة أولًا: السودان في مواجهة عربدة الإمارات
في عالم تتشابك فيه المصالح وتُباع فيه السيادة في مزاد النفوذ الإقليمي، لا تملك الدول التي تحترم نفسها سوى التمسك بكرامتها الوطنية كآخر خطوط الدفاع عن وجودها. السودان، برغم ما يمر به من تحديات داخلية وظروف قاسية، أثبت مجددًا أنه لا يرضى المهانة ولا يقبل التدخلات السافرة في شؤونه.
ما أقدمت عليه دولة الإمارات تجاه طاقم السفارة السودانية عند مغادرتهم، من تصرفات مهينة لا تمت للدبلوماسية بصلة، ليس سلوكًا معزولًا أو رد فعل غاضب، بل تجسيد واضح لسياسة متعمدة تتبناها أبوظبي في تعاملها مع الخرطوم. سياسة قائمة على التحقير والاستعلاء، وعلى معاقبة أي بلد يرفض الانضواء تحت عباءتها أو التماهي مع مشاريعها في المنطقة.
ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، الذي يُقدَّم نفسه راعيًا للتنمية والاستقرار، لا يخفى تقاربه مع الأجندات الغربية، خصوصًا الأمريكية والإسرائيلية، وهي أجندات أثبتت في أكثر من موضع أنها لا تعبأ بقضايا التحرر ولا بمصالح الشعوب. السودان، بالنسبة لهذا المشروع، ليس سوى ساحة إضافية لإعادة إنتاج النفوذ، وزرع الوكلاء، وتمرير المصالح حتى لو على حساب دماء السودانيين ومواردهم.
الاستفزاز الإماراتي لا يجب أن يُقرأ بمعزل عن أدوارها المشبوهة في دعم مليشيات الدعم السريع، أو عن محاولاتها شراء الولاءات داخل السودان، ولا عن سعيها لتعطيل أي مسار وطني يسعى لاستقلال القرار السياسي والاقتصادي. هذه ليست مجرد خصومة آنية، بل معركة كرامة طويلة يجب خوضها بشجاعة ووعي.
الرد السوداني على ما حدث لا يجب أن يتوقف عند قطع العلاقات الدبلوماسية، بل يجب أن يكون بداية لمراجعة شاملة لطبيعة العلاقة مع الإمارات. لا يعقل أن تُهان كرامة الدولة، ثم يُستأنف التعامل مع من أهانها تحت مبررات الواقعية السياسية أو الضرورات الاقتصادية. إن الوقت قد حان لإعادة توجيه البوصلة نحو شركاء يحترمون السودان وسيادته ويتعاملون معه بندّية، بعيدًا عن سياسات الإملاء والإذلال.
كما أن الحكومة السودانية مطالَبة بأن تولي أهمية قصوى لحماية مواطنيها في الإمارات، وتقديم كل الدعم القانوني والإنساني لهم، خاصة في ظل تنامي حالات التضييق والتعامل التمييزي، وتسهيل خروج من يرغب في مغادرة تلك البلاد نحو دول أخرى أكثر احترامًا للكرامة الإنسانية.
الكرامة الوطنية ليست شعارًا يُرفع عند الغضب، بل هي التزام دائم، ومعيار حاسم في بناء السياسات والعلاقات الدولية. الشعوب التي ثارت من أجل حريتها لا تقبل العودة إلى المهانة، والدول التي خرجت من قبضة التبعية يجب ألا تعود إليها مهما كانت الإغراءات.
السودان اليوم أمام لحظة فاصلة، فإما أن يختار طريق السيادة والاحترام، أو يستمر في دوامة التبعية والإذلال. والقرار – كل القرار – بيد من يدّعون تمثيل هذا الشعب العظيم.