مقالات الرأي
أخر الأخبار

المبعوث الالهى …. مرة أخرى حسام الدين محجوب على

المبعوث الالهى …. مرة أخرى

حسام الدين محجوب على

الحرب العراقية قامت على فرضية دينية من قبل بوش الابن كمبعوث إلَهى Crusader و ألذى قسم العالم إلى قسمين معه او مع الشيطان و اعتبر ان أوروبا المعارضة له هى قارة عجوز يجب تجديدها بواسطة امريكا ، القوى الحديثة ، لقيادة العالم الحديث و لتطبيق تلك الفرضية نّظر لما استحدث على تسميته فى ذاك الوقت بالفوضى الخلاقة على يد وزيرة خارجيته غونداليزا رايس و وزير دفاعه رامسفيلد .

الواضح ان تلك الفرضية بعد بيات شتوى طال لسنين عدة ، لفشلها حينه ، قد نُفض عنها الغبار و عادت مع مبعوث جديد بافكار جديدة تقوم على أساس التوسع الاستعمارى او الاحتوائى فى احسن الفروض .
دونالد ترمب ألرئيس السابع و الاربعون الممتدة فترته ، بعد انقطاع ، بسط رؤيته فى خطاب تنصيبه ، كرسالة دينية قامت على أساس الحماية الإلهية لتطبيق هذه الرؤية بدأها بعدم وضع يده على الكتاب المقدس عند اداء القسم ، ربما لقناعته انه هو المكلف بحماية هذا الكتاب المقدس كمبعوث الهى مؤكد مسبقاً .
رؤية الرئيس الجديد القديم تقوم على افكار توسعية يضم وفقها أراضىٍ جديدة و اضافة نجوم جديدة للعلم الامريكى ، يشترى سلماً بموجبها جزيرة غرينلاند من الدنمارك، القلقة من قسرية ضمه لها ، يُعمِد تبعية خليج بنما أو خليج امريكا كما أسماه ، يفرض على كندا الدخول فى اتحاده قسراً او سلماً ، ليطبق نظرية جفرسون السلف ألذى رأى فى ضم أراضى جديدة فرصة لبعث أمل جديد للشعب الامريكى يحفزه على العمل و الاستقرار النفسى .
كذلك تشمل رؤيته التعامل مع العالم على أسس :
/ احترام السيادة للدول الأخرى و عدم التدخل في قضاياها الداخلية .
/ عدم دعمها مالياً بل بناء علاقات تقوم على تبادل المنافع المادية الاقتصادية الواضحة.
/ عدم دخول الجيش الامريكى فى حروب خارجية إلا بغرض الاستحواذ او صد هجوم على امريكا .
/ إغلاق الحدود المفتوحة للولايات المتحدة الأمريكية ، خصوصاً مع دول الجوار اللاتيني ، إلا لمن رغبوا فى دخوله .

العالم وصل لمرحلة من التدنى الاقتصادى و الانحلال الاخلاقى لم يصل اليها من قبل ، يختلف النظر حسب منظور المتفحص لهذا التدهور . التدهور من وجهة نظر المدرسة الداعمة للرئيس لطالما ذكره فى خطته التى رأى ان المجتمع الامريكى قد انتخبه على اساسها و أجمله فى خطاب التنصيب بوجود و تحت انف من رأى أنهم السبب فى هذا الانحطاط الشامل كما وصفه و وصفهم كتيار يسارى لا يؤمن بالله و لا بقيم المجتمع ، كما رأه .
أعاد الخلق لتوصيف الخالق كنوعين من الجنس البشرى لا ثالث لهما ، ذكر و أنثى و دون ذلك هو تلاعب بخلق الخالق و نواميسه لن يسمح به و سيضع القوانين التى تجرم ذلك و يجرد المتلاعبين من كل حقوقهم . يجرم حرمان البشر من حقوقهم على أساس اللون و العرق و يثبت الكفاءة كمعيار لتقدم الإنسان ، منع التعامل على أساس الدين و جعله معيار للتعامل بين الناس و بعضهم كمعتقد و ليس كمعيار لتحديد حقوقهم و واجباتهم القانونية ، احترام الإنسان و روحه و خصوصيته و منع الحجر على رأيه او التجسس عليه تحت أى مسمى طالما لا يضر بحقوق الآخرين .
كما قيد التعامل بالسلاح و قيد سلطات إنفاذ القانون و شدد مراقبتهم و احكام سلطاتهم .
أعلن الحرب على الفساد و خصوصاً المؤسسى منه ، أطلق العنان للاستفادة من خيرات البلاد فى باطن الأرض و عدم السيطرة الحكومية على المنتفعين منها .
اعلن الحرب على الاحتكار و فرض أسعار مجحفة على الأغذية و احتياجات الناس الحياتية لحماية المستهلك و تخفيف ظروفه و احتياجاته المعيشية .
أعاد الحماية للصناعة و اخرج الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية المناخ التى يراها بدعة استغلتها الدول الكبرى لفرض إتاوات على الدول النامية لتحجيم تطورها الصناعى و تحدث مطولاً عن اثر تكلفة الطاقة البديلة و فرضها من قبل الدول التى لا تمتلك مصادر طبيعية للطاقة ، كتكلفة المطاحن الهوائية و مضارها على الطبيعة و الإنسان ، من قتلها للطيور و تدميرها للاراضى و مضارها على السمع و غيره .
من الصعب التنبؤ بنتائج ثورته الموعودة برغم روعة معظمها و الأكيد أنها وضعت بعناية و الأكيد المؤكد انه الشخص المناسب بحكم طبيعة شخصيته لتنفيذها ، لكن روحها الدينية ظهرت جلياً فى منطوقه و التزام فريقه الدينى الواضح ، فنائبه عرف بالتزامه الدينى فى مجتمعه و تصرفاته فرأيناه متأدباً مع رجال الدين ، مبجلاً لتلاوتهم و دعائهم لهما فى حفل التنصيب كما ظهر مفاخراً بمظهره العائلى .
من استمع لمبعوثه للشرق الأوسط ، يرى ان المنطقة مقدمة على تغيير جذرى فى التعاطى مع الإدارة الأمريكية القادمة و من يظن ان فترة ازدهار العلاقة الاسرائيلية الأمريكية قد بدأت ، عليه التفكير مجدداً فى هذا الظن ، فمن الواضح ان الدعم الامريكى لاسرائيل ، رغم كثرة داعميها فى الإدارة ، لن يكون كما كان فى ادارته السابقة او إدارة بايدن التى تلتها . فهو لم ينسى ان اليهود الاميركيين قد صوتوا فى أغلبيتهم للديمقراطيين و كمالا هاريس ، كما ذكر ذلك مراراً و انه فاز فى الولايات المتأرجحة خصوصاً ميتشيجن باصوات العرب و المسلمين .كذلك و بشعبويته صار يسمع للشارع الاسرائيلى الذى لا يثق و لا يكن اعجاباً لنتنياهو ، لذا فرض قبول الصفقة على نتنياهو ، نفس الصفقة التى رفضها قبلاً و لشهور لسلفه و وزير خارجيته رغم دعمهم الشديد له و لحربه على غزة . كذلك وضح ذلك جلياً فى حديثه فى الأسابيع الماضية عن فساد حكام الشرق الأوسط و إفقارهم لشعوبهم رغم وجود الثروات فى تلك الدول و وعده بالعمل على إصلاح ذلك الخلل بالتعامل المباشر بين الشركات الأمريكية و الشعوب و ليس الحكام و العمل على إيقاف الدعم المالى و استبداله بالتعاون و التبادل الاقتصادى لمنفعة الشعوب فى أفريقيا و الشرق الأوسط و الشعب الامريكى .
حديثه كذلك عن الحروب فى المنطقة و عزمه على ايقافها فوراً ، ذكر منها السودان و عزمه على التعاون مع الشعب السودانى على النهوض و استغلال الثروات الطبيعية و حديثه عن صداقته و ثقته فى البرهان و إيمانه بامكانية التعاون معاً لدعم الاستقرار و تكملة الاتفاق الإبراهيمي ، ألذى هو أيضاً ذو منظور دينى كما يراه . تحدث عن الدعم السريع كمليشيا و لم يتحدث عن الحرب على أنها بين طرفين متساويين .
ظن الكثيرون ان وعد الإمارات باستثمار ٢٠ مليار دولار فى امريكا يمثل مواصلة للعلاقات التى نشأت بينهما فى فترته السابقة بينما أراها محاولة للإمارات لتجنب ابتزازها بسبب حربها فى السودان و غيره فى فترته القادمة . هذه المحاولة وضح جلياً أنها لم تنفع لذكره لها مقرونة بتنفيذها على ارض الواقع و حديثه بعدها عن القيمة المادية التى يجب على تلك الدول دفعها لحماية الجيش الامريكى لهم فى الفترات السابقة و التى وعد فى حملاته الانتخابية بإجبارهم على دفعها و ذكر السعودية و ليبيا من تلكم الدول .
من المعلوم ان شرطه لعدم زيادة التعرفة الجمركية على المنتجات الأوروبية ، هو شراء ٣٠ ٪؜ من احتياجاتهم البترولية من اميركا رغم ارتفاع اسعارها الأساسية لبعد المسافة ، سيضر بالإنتاج الخليجى من البترول مما يؤثر اقتصادياً على مداخيلهم و لكنه أوضح بالأمس ان البترول سيمثل رافعاً اقتصادياً مهماً للاقتصاد الأميركى . كذلك اصراره على شراء المنتجات الاميركية بدلاً عن الصينية و ربطها بحصص صادرات تلك الدول إلى الولايات المتحدة سيضر ضرراً بالغاً باقتصادات الخليج التى اتجهت فى السنين الأخيرة للسوق الصينية بقوة ، مما أثر على شرائهم من السوق الاميركية .
الأكيد ان السودان خصوصاً و أفريقيا عموماً ستشهد فترة رئاسية مختلفة عن سابقاتها ، فترة استفاد فيها الفريق الرئاسى من دراسته لفترة طويلة تغير العلاقات الأفريقية الأوروبية و ضعفها و أسباب ذلك ، كما استفاد كذلك من إهمال الإدارة السابقة لأفريقيا و تعاملها الفوقي و ألذى اغضب الكثيرين من الزعماء الأفارقة ، فتجد حديثه و تكراره عن احترام سيادة الدول و شعوبها لم يأتى من فراغ .
فترة ترمب القادمة سوف تدخل التاريخ كفترة تغيير شاملة داخل المؤسسة الاميركية لم تشهدها من قبل ، لطابعها الانتقامي مما حدث له فى الأربع سنوات السابقة ، خصوصاً تغييرات فى ادارات مفصلية كالقضاء و النيابة ، الضرائب ، إنفاذ القانون و الجيش ، بالتأكيد الطابع الدينى لتحركه سيصعب على الدولة العميقة محاربته و اظهارهم كمن يحاربون الخالق و المخلوق .

خلاصة القول ان التاريخ ربما يعيد نفسه و قد نشهد رتشارد قلب اسد جديد يغير المشهد العالمى كما غير قلب الأسد معادلة الحروب الصليبية بعد اعجابه و تغيير رأيه فى صلاح الدين الأيوبى . كما استنجد لويس IX ملك فرنسا بالملك الأقوى فى أوروبا حينها ريتشارد ملك إنجلترا و ألذى أتت نجدته بغير ما اشتهت سفن Louis IX ، فاعتماد أوروبا و الدول الأخرى كالامارات و التى تستقوى بامريكا على الدول المستضعفة و النامية ، قد يكون فيه افول نجمها ، فترمب الجديد غير ألذى كان و قد طُعن من أصدقاء و حلفاء الأمس .
ترمب الشعبوي الآن و ألذى خرق البروتوكول بتوقيعه أوامر رئاسية أمام الشعب فى ملعب رياضى و ليس أمام النخبة السياسية فى المكتب البيضاوى ، رأى قوة الشعوب و خذلان النخب ، عاد باصوات الشعب رغم محاولات النخبة منعه من العودة ، أولهم ابنته ايڤانكا و زوجها جاريد ، الذين تخلوا عنه فى أزمته القانونية و دعوا إلى عدم ترشيحه ، بالرغم من ذكره لأدائهم فى الإدارة السابقة و الذين رأى الكل تقهقر وضعهم الجديد و تقدم ابنيه دونالد و بارون عليهما . عاد محمولاً على اعناق الشعب باصوات ملايينه رغم عدم تصويت نخبته المقربة و التى استبدلها بالبليونيرات الجدد فى امريكا ، فآمن بالشعوب و احتقر النخب السياسية و مجموعات الضغط ، الذين اقسم ان يبعدهم من واشنطن إلى الحدود و إلا فليرحلوا كما قالها صراحة بالأمس .

دعونا نأمل ان التغيير الجديد من المؤمن الجديد ، سيكون فيه خيراً لنا و لو بإخافة و تراجع من أذونا ، فهؤلاء يتملكهم الخوف فطرةً لعدم إيمانهم بقدرة خالقهم و تبجحهم بقدرتهم التى يستمدونها من أمثال ترمب و ليس من شعوبهم و لكن ترمب القادم يكرههم و يمقت غدرهم ، كما يكره النخبة التى تتبجح بتمثيل شعب لا تستطيع مواجهته فى بلدها كما ذكرت احدى أعضاء فريقه القادم .

لكن الحقيقة التى لا يمكن إنكارها أننا أمام مفاوض تجارى بارع لا شك فى ذلك ، خبر الحياة من باب لا يدخله كُثر و حتماً لا يستمر فيه مبعوث الهى و هو إمتاع من يبحثون عن الملذات الدنيوية دون انتظار للآخرة . رجل لا يهمه رأى الآخرين و لا يعلم عن القيم الإنسانية الكثير ، متدين حين الحوجة ، متدنى عند الطلب و يجيد الابتزاز ، فما اكثر من تستطيع استغلالهم من باحثوا المتعة حين يغيب القمر . رجل عينه فاحصة تصطاد راغبي السلطة و النفوذ فى الوقت المناسب و الزمن المناسب ، يذهب شرقاً و وجهته الغرب و ينذر شمالاً بعين جنوبية و الفطن من لا يستمع له بل ينصت لما لا يقول و يقرأ بين السطور ليبطل المفعول . لا تذهب معه بل سر عكس اتجاهه ففى زمنه لن يعطيك فخذ منه و أعطه ما تريد لا ما يريد ، فيكون دائماً فى حوجة لك .

لذا لا نستطيع إلا القول ربنا يدينا خيره و يكفينا شره ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى