نظرات لايام مضت(( 5)) حاتم حسن بخيت وحشية…. الجنجويد تغتال الحي القصيدة ((2))من ((2))ا

نظرات لايام مضت(( 5))
حاتم حسن بخيت
وحشية…. الجنجويد
تغتال الحي القصيدة
((2))من ((2))
1//
لم تكن طاولات قهوة جورج مشرقي في سوق امدرمان تمل من مناكفات شعراءالحقيبة تجاه بعضهم البعض حول ماهية القصيدة الافضل في التغني بجمال حسناوات حي المسالمة الذي كان بالنسبة لهم حديقة جمال متفرد وكان الكل ينحاز لقصيدته او قصيدة صديقه من الشعراء.. وكانت لقاءاتهم المنتظمة في هذه القهوة بصحبة العديد من فناني ذاك الزمان منتدي لهذه المساجلات الكلامية و الشعرية.
لكن القصيدة التي انصت لها الجميع باعجاب جاءت من شاعر لم يكن محسوبا وقتها من حيث الصيت من فطاحلة شعراء الحقيبه وهم اولائك الشعراء من رواد تلك القهوة التي ظلت تشهد التباري بالقصائد الجديدة لشعراء ذاك الزمان بل وبالحانها
2//
وهذا الشاعر هو ((محمد علي عثمان بدري كاشف)) والذي نظم قصيدة. شد بها انتباه شعراء وفناني الحقيبة وذلك مع بداية النصف الثاني من اربعينات القرن الماضي حيث اعتبرها اهل الشغر والمغني في ان واحد بانها القصيدة ذات الميزة الابداعية. الاعلي بين قصائد الافتنان بغزلان المسالمة.
3//
وقد حملت هذه القصيده مسمي هواقرب لجملة كاملة منها لاسم قصيدة والتي جاءاسمها عند ناظمها (( مرضان باكي فاقد فيك علاج طبيبي)) حيث نظمها في حسناء من اسرة قبطية سكنت بالايجار في منزل كان يملكه في حي العرب بعد ان انتقلت اليه من حي المسالمة المجاور له …وحي العرب. ان صح التعبير. كان الحي(( الشادن )), بمحاسن حي المسالمة.لاكتظاظه. بشعراء الحقيبة من لدن الثنائي. سيد عبد العزيز و صديق عمره عبيد عبدالرحمن ونهاية بعبد الرحمن الريح .و قد نال حي العرب من وحشية و نكبة الجنجويد ايضا نصيبا مكافئ لماناله حي المسالمة وكانما. تواعد هؤلاء الاوباش علي ضرب وحرق واستئصال كل مكامن الابداع والحسن والجمال في امدرمان. القديمة
4//
وكان من مصادفتنا ان يكون مخرج عودتنا من طرقات الموت والحرائق والدمار في حي المسالمة عبر هذه الدار التي تقبع في مدخلنا لحي العرب ومنه لديارنا و وقد كانت هذه الدار مشتملة فيما مضي علي حديقة جميلة واتفق شاعرنا ((ود البدري )) مع هذه الاسرة كشرط للايجار ان ياتي للمنزل من وقت لاخر للاعتناء بهذه الحديقة وأشجارها والتي تفنن في زراعتها بمختلف انوع الورود وقد وافقت الاسرة علي هذا الشرط دون تردد بعد ان اقنعها بان الاعتناء بهذه الحديقة هوايته التي لن يتنازل عنها تحت اي اعتبار كان
5//
و بانتظامه في زياراته للمنزل للعناية بحديقته ظل شاعرنا(( ود البدري)) يشاهد هذه الحسناء التي ابهرته بجمالها رغم انها قصرت تواصلها معه في حدود مبادلتة السلام والتحايا. لكنها استقرت بجمالها في وجدانه واترسمت في مخيلته وتعايش معها وجدانيا وحمل تراسيم جمالها في ذاكرته بشكل محموم اينما غادر وحل واستقرت به حادثات الايام
6//
وبعد فترة ممتدة من امتاع النظر في حسنها وجمالها دفعت الظروف الشاعر(( ود البدري ))للسفر لفترة تطاولت زمنيا خارج امدرمان لكن ظل كيانه مسكون بجمال هذه الحسناء القبطية وخياله سارح بين ورود وازاهير حديقة منزله المؤجر لاسرة تلك الحسناء
ولذلك حينما عاد الي امدرمان عمد الي المسارعة لامتاع عينيه برؤية هذه الحسناء وظل يترنم طوال الطريق الي منزله المؤجر لاسرتها القبطية ببيتين من الشعر قال فيهما
(لي مدة طالت ما شاهدت قمري)
(ماشاهدت الغصن الفبهو يانع ثمري)
7//
لكن ما ان طرق الباب حتي اخبره احد الحيران بان الاسرة القبطية قد رحلت عن المنزل وعادت الي احد منازل حي المسالمة وتركت له قيمة الايجار خلفها فاحبط ايما احباط واتجه اتجاها تعويضا باكمال بيتي الشعر الي قصيدة طويله يرثي فيها احباطه بغياب تلك الحسناءبرحيل اسرتها عن منزله وبالتالي اختفائها عن ناظريه قال في مطلعها
(مرضان باكي فاقد فيك علاج طبيبي )
(قالوا ترك سكونك يادار وين حبيبي)
سرعان ما تغني بها كرومه وكذلك اولاد شمبات فذاع صيتها واصبحت نغمة تتردد في الحفلات في امدرمان واصبحت متربعة علي عموم اغاني الحقيبة ردحا من الزمان ليعيد انتاجها و يشارك بها لاحقا وبذات لحنها (( ثنائي حي العرب ))ميرغني المامون واحمد.حسن جمعه في مهرجان الثقافة الاول ايام عهد حكم مايو ويحصدان بها جوائز. المهرجان في الكلمات واللحن والاداء لينتقل التغني بها لاحقا للعديد من الفنانين منهم الفنان صديق الكحلاوي والفنان محمود علي الحاج لياتي في موازاتهم الفنان صاحب الصوت الشجي فتي حي ابي روف هاشم ميرغني فمنح لحن هذ.الاغنية بعدا تجديديا باسلوب ادائه الغنائي المتفرد وتمكنه من العزف علي الة العود وتوظيفه في لزومياتها اللحنية
8//
لقد قدمت هذه القصيدة بجماليتها شاعرها كشاعر مكتمل القدرة الابداعية بل قدمت حي بيت المال الامدرماني كموطن للابداع الشعري فقد اسماها البعض((. برباعية. ود البدري)) او ((رباعية ود الكاشف)) فقد تكونت هذه القصيدة من ثلاثين بيت شعر وباستثناء مدخلها من بيتين فقد توزعت القصيدة في ابياتها الثمانية وعشرين الي اربعة بيوت شعرية لكل فكرة فيها بابداع شعري حاز علي اعجاب شعراء الحقيبة الامر الذي دفع بعضهم للبحث عن هوية هذا الشاعر حيث افضي بهم هذا البحث الي لمس معين ود البدري الشعري
9//
فالشاعر محمد علي عثمان البدري كاشف لم يكن شاعر صدفة او غفلة فهو من ال بدري كاشف وهم اصحاب اصول تركيه استوطنوا ابتداءا في جزيرة صاي في شمال السودان واختلطوا منذ امد طويل مع السكوت والمحس في شمال السودان ولهم موطئ قدم راسخ في الابداع فابناء بدري كاشف هم ابناء عمومة الشاعر الفذ خليل فرح بدري كاشف .الذي ولد بقرية دبروسة وتوفي بامدرمان
وانتقل ال بدري كاشف الي. الخرطوم ايام العهد التركي وبعد ان دخل المهدي الخرطو فضل ال بدري كاشف الرحيل الي امدرمان حيث استقر وا جوار منزل الزعيم الازهري من الناحية الشرقية التي يعتبرها البعض امتدادا لذاك الحي الامدرماني … الصاخب سياسة وكرة قدم وشعرا وغناءا وهو حي بيت المال. فبيت المال ايضا هو حي الشاعر الغنائي الفذ ابراهيم الرشيد وظل هذا الحي مسكنا لمعظم فناني الاذاعة وشعراء الاغنية السودانية الذين قدمهم ابداعهم للعاصمة
10//
وبعتبر ال بدري كاشف من رموز بيت المال فضلا عن انه قد كان لهذه الاسرة اسهامها في كرة القدم في فرق المقدمة الامدرمانيه حيث لعب ابناء محمد عثمان بدري. وهما سري.وقرعم في نادي المريخ وكانا من اللاعبين الافذاذ الذين صنعوا لهذا النادي قدرا وافرا من جمهور المعجبين به والمشجعين له
لكن هذا الحي العريق قدم شكلا نموذجيا. في وحشية الاوباش الذين استباحوا حرماته وسفكوا دماء اهله. واجتاحوا مربعاته السكنية واستوطنه طاعونهم البربري الهمجي
11//
ورغم الاسهامات الثرة لحي العرب وحي بيت المال بجانب حي المسالمة في مجال التراث الغنائي والشعري والاجتماعي ليس لامدرمان فحسب بل كل السودان فقد كان لهم بذات القدر نصيب من جرائم وحشية الدعم السريع فحي العرب تحولت حيشان منازله الكبيرة في السنوات الاخيرة الي مخازن ومستودعات لبضائع تجار سوق امدرمان لوجودها في متناول السوق. لذلك شكلت مركزا جاذبا لعصابات الجنحويد للسرقة والخراب والدمار الامر الذي حولها وكانها جزء من خرابات مقابر البكري التي سكنها في قناصة الدعامة ردحا من الزمن مستهدقين من و راء ذلك محاصرة واسقاط معسكر الاحتياطي المركزي امدرمان بشارع الشنقيطي المتاخم لمقابر البكري لكن هيئات لهم ذلك رغم الغصة التي استقرت في حلوق اهالي هذه الاحياء العريقة فقد حرمهم الجنجويد الاوباش حتي من دفن موتاهم في مقابر احمد شرفي والبكري طوال الاشهر المنصرمة بان وضعوها تحت مناظير قناصتهم لاصطياد كل من يقترب من هذه المقابر. لاي سبب كان
12//
لقد.تسببت وحشية الاوباش بمخالبها المسمومة جروحاغائرة في ذاكرة احياءامدرمان القديمة اعادت لذاكرة المدينة الذكري سيئة الصيت لجهادية الحقبة المهدية التي لم توفر صغيرا ولا كبيرا لاشيخا مسنا ولا امراة طاعنة في السن و لامناصرا ولا ناصحا ولا معارضاولا حتي قائدا له اسهامة في نجاح مسارات
تجسيد الفكرة المهدية ولازعيم قبلي سبق له وان . وفر حشدا.قبليا وعشائريا لمطلوبات المهدية كفكرة وكسلطة خلافة الا ونخرت هذه السلطة عظامه بالحديد والنار لتاتي هزيمة معركة كرري. نتاجا. طبيعيا وثمرة شرعية لمخازي حكم الخليفة التعايشي الذي تفنن في ارتكاب اعمال وخشية ضد الانسان. لم تقيدها لا معتقدات دين لا اخلاق ولاسلطة ولاوفاءا لمن قدموا ارواحهم رخيصة فداء لما حسبوه ديار لهم تستوجب طرد. الاجنبي المتسلط من ربوعها ولذلك خيم حزن عميق علي. امدرمان طوال فترة الحكم التعايشي ليعمقه اكثر انكسار. جيش الخليفة التعايشي في كرري.
فهذه سنوات ممتدة غاب عنها الغرح. وسكنت الديار. الامدرمانية اهات الجراح ودموع الثكلي وحنين المفقودين وحسرات الاهل علي الموتي لما يتجاوز العشرين عاما حتي عام 1918 حين بدات هذه الاحياء القديمة. تستجمع بعض من نغمات طروبة. تري من خلالها ان هناك املا اخضرا في الحياة بخلاف وحشية الجهادية وقمع السلطة الاستعمارية الراجعة من ثنايا خيبة امل اهل السودان فيما حسبوه سلطة ابناء جلدتهم وابناء ((حيكورتهم ))و وهو الامل الذي ضيعه البطش والاستبداد الوحشي لسلطة الخلافة التعايشيةوالتي تسرب السودان من بين اصابعها دون ان تنتبه ليقع بين يدي الحكم. الجيش الغازي الذي فرض سيطرته علي البلاد ليتوراي الابداع الغنائي. ردحا من الزمان ويبدا في معاودة الظهور بطور جنبني في مناطق متفرفة من البلاد ليبدا منها مدارج العودة. لامدر لتصبح في طور جديد . حاضنة للابداع الغنائي والشعري لاهل هذه البلاد . .
#حاتم حسن بخيت#