
منبر_الكلمة
جلال الجاك ادول
التحالف السوداني.. الوزارة ليست مجرد حقيبة!
في أسواق الماشية التي تمتد على أطراف نيالا والفاشر والجنينة، قلّما يهتم الرعاة هناك بما يدور في بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة من صراعات كراسي أو مفاوضات نخب. لكن الحقيقة المؤلمة أن مصير تلك الوزارة التي يتداولها السياسيون على شاطئ البحر الأحمر، قد يعني مصيرهم هم أيضًا، ومصير ملايين الأفواه التي تعتمد في رزقها على قطيع ينجو من الجفاف والحرب وتقلبات السوق.
لهذا بدا طبيعيًا أن يخرج التحالف السوداني عن صمته، نافضًا عن نفسه ما وُصف بأنه شائعات بلا سند، بعد أن نشرت بعض الجهات الإعلامية مزاعم تفيد بأنه تنازل طواعية عن وزارة الثروة الحيوانية. وفي بيان بدا أشبه بجرس إنذار، أعلن التحالف بوضوح الخبر عارٍ تمامًا من الصحة ولا يمت للواقع بصلة، مضيفًا بلغة لا تحتمل التأويل: أي محاولة للالتفاف على اتفاق جوبا تُعد خرقًا صريحًا، ولن نقف صامتين حيالها.
والحق يُقال إن هذا التشبث لا ينفصل عن ذاكرة الحرب الطويلة، ولا عن حسابات الثقة التي تآكلت مرارًا في السودان. إذ لطالما وُقعت الاتفاقيات تحت أضواء الكاميرات، لكنها كثيرًا ما تلاشت حين اصطدمت بمصالح الكبار. ومن هنا أجدني ميالًا للقول إن موقف التحالف ليس مجرد تمسك بمقعد وزاري، بل دفاع عن فكرة الشراكة العادلة، وعن وعد أُعطي لهم بأن زمن التهميش انتهى، وأن من جاؤوا من دارفور صاروا جزءًا أصيلًا من معادلة حكم لا تستثنيهم ولا تدعوهم ليتسولوا حقوقهم من المركز.
الأهم برأيي أن بقاء وزارة الثروة الحيوانية في يد مَن جاء من الهامش يحمل بُعدًا رمزيًا عميقًا. فهي وزارة تمثل شريانًا رئيسيًا في اقتصاد السودان، ورسالة طمأنينة للرعاة والمزارعين الذين دفعوا فاتورة الحرب والغبن طويلًا. وأي تراجع عنها حتى لو غُلِّف بشعار التفاهمات الجديدة سيُقرأ في الأقاليم ببساطة كنكوص عن اتفاق السلام، وسيدق مسمارًا إضافيًا في نعش الثقة المهزوزة أصلًا.
لكن الإنذارات الصاخبة وحدها لا تكفي. فالدفاع عن اتفاق جوبا يتطلب يقظة ومتابعة حقيقية، وشفافية مع القواعد الشعبية التي حلمت بسلام أوسع من حدود الورق. وهنا يطل السؤال الذي لا بد أن يظل معلقًا في فضاء بورتسودان وحتى أطراف دارفور:
هل يتعلم ساستنا أن الاتفاقات لا تُختبر وقت توقيعها بل حين تتقاطع مع مصالحهم؟ أم سنعود مرة أخرى إلى اللعبة القاسية التي تترك الهامش ممسكًا بخيبة أمل جديدة بدلًا من بندقية قديمة؟