مقالات الرأي
أخر الأخبار

فتح مسارات أمنه لجنوب كردفان… بقلم: زكي شيكو

بقلم: زكي شيكو

*عندما كنت في مفاوضات جُوبا لفتح المسارات الآمنة لإيصال الإغاثة إلى إقليم جبال النوبة، تحدثت مع الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، معبرًا عن أملي في ألا تقع أي اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية، وألا يُسفك دم سوداني على يد سوداني آخر. حينها، ردّ عليَّ بصراحة ووضوح، قائلًا:*

“هذا الأمر يعتمد على الحركة الشعبية؛ إن لم تهاجم، فلن نهاجمها، لاننا ملتزومن باعلاننا لوقف اطلاق النار معها.”

كانت كلماته تحمل في طيّاتها رؤية استراتيجية وحسًّا وطنيًا عاليًا، وأملاً في تجنب المزيد من الدمار والتشريد الذي أنهك جنوب كردفان منذ حرب 1983. حينها، أدركت حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه، وأيقنت أن السعي نحو السلام لم يكن مجرد شعارات تُرفع، بل مواقف تتطلب حنكة وحسن تدبير.

لكن دارت الأيام، واتخذت الحركة الشعبية خيارًا آخر، متجاهلة كل فرص التفاهم، وفضلت السير في طريق محفوف بالمخاطر، بتحالفها مع مليشيا الدعم السريع، متناسية تاريخًا من المآسي والانتهاكات التي ارتكبتها هذه الجماعة. كيف يمكننا أن ننسى أحداث شيريا، وجرائم الدعم السريع في كادوقلي عام 2020؟ كيف ننسى مجزرة لقاوة المؤلمة، أو الانتهاكات التي طالت أهلنا في محلية هبيلا؟ كيف يمكن أن تُمحى من الذاكرة أحداث الدلنج والتكمة، حين كان الموت يُوزَّع عشوائيًا بلا رحمة؟

ثم يأتي أحد جنود الدعم السريع، في تسجيل مصور، ليعلن بكل عنصرية ووقاحة: “سنسحق النوبة من هنا إلى بورتسودان.” كيف لنا أن ننسى هذا التصريح، أو نتجاهل خطورته؟ إن هذا الفكر الإقصائي العدواني لا يهدد فقط النوبة، بل ينذر بكارثة على كامل السودان، حيث يُختزل الوطن في حسابات مليشياوية ضيقة قائمة على العرق والولاء، لا على المواطنة والانتماء.

ورغم كل شيء، أقولها بوضوح: الجيش السوداني، رغم بعض العثرات والأخطاء، يظل المؤسسة الوطنية التي يمكن إصلاحها ومعالجة إشكالاتها داخليًا، لأنها جيش الدولة، لا جيش الأفراد أو المصالح الشخصية. أما مليشيا الدعم السريع، فهي الخطر الحقيقي، ليس فقط على الجيش، بل على السودان ككيان وشعب وتاريخ.

أتمنى، من أعماق قلبي، أن يحفظ الله كل مواطن سوداني من هذا القتال، وأن تفيق الحركة الشعبية من غفلتها، لأن من يراهن على المليشيات والمرتزقة، فلن يجد سوى الخراب، ولن يحصد سوى الندم يوم لا ينفع الندم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى