مقالات الرأي
أخر الأخبار

زمزم وأبوشوك… مجازر بلا شهود منبر الكلمة | بقلم: جلال الجاك أدول

زمزم وأبوشوك… مجازر بلا شهود
منبر الكلمة | بقلم: جلال الجاك أدول

بينما يواصل العالم حديثه الرتيب عن الإنسانية وحقوق الإنسان، تواصل دارفور دفع ثمن صراع طويل أنهك الأرض وأرهق البشر. آخر فصول هذه المأساة كُتب قبل أمس، عندما اجتاحت مليشيات الدعم السريع معسكري “زمزم” و**”أبوشوك”** للنازحين بولاية شمال دارفور، تاركة خلفها مشهدًا دامياً تعجز الكلمات عن وصفه وتعجز الصور عن نقله.

بحسب شهادات ناجين وشهود عيان، اقتحمت المليشيات المدججة بالسلاح مساكن النازحين العُزّل في ساعات الليل، وشرعت في إطلاق نار عشوائي استهدف كل من صادفوه في طريقهم — رجالاً، نساءً، شيوخاً، وأطفالاً — دون تمييز، وكأن الغاية الوحيدة كانت إفراغ المعسكرات من الحياة.

وما يزيد الجريمة بشاعة، أن الطواقم الطبية والأطباء، الذين كانوا في مقدمة خطوط الدفاع عن حياة المرضى، وجدوا أنفسهم ضحايا لهذا الهجوم الهمجي؛ حيث تم اقتيادهم قسرًا من داخل العيادات الميدانية وإعدامهم ميدانياً، في انتهاك فج لكل عرف إنساني وأخلاقي. حتى الأطفال المرضى، الذين احتموا بجدران غرف العلاج، لم يسلموا من الرصاص.

أحد شهود العيان، بصوت مخنوق بالخوف، وصف لي المشهد قائلاً:
“رأينا الأطباء يُسحبون من العيادات ويُطلق عليهم النار أمام أعيننا. لم يكن هناك فرق بين كبير أو صغير، حتى الأطفال نُحروا برصاصهم بلا رحمة.”

الهجوم لم يكتفِ بحصد الأرواح؛ بل طال كل ما يمثل رمق حياة في المعسكرات. تم تدمير العيادات، المدارس المؤقتة، ومخازن الغذاء التي كانت تعين آلاف الأسر التي شردتها الحروب المتكررة في الإقليم. مليشيات الدعم السريع وضعت توقيعها الدموي بوضوح، مضيفة صفحة سوداء جديدة في سجل الجرائم ضد المدنيين بدارفور.

من جانبها، أصدرت منظمات حقوقية دولية، من بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بيانات إدانة شديدة اللهجة، ووصفت ما حدث بأنه “انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي”، وطالبت بفتح تحقيق عاجل ومستقل، مع تحميل قادة مليشيات الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة.

وفي لحظة يأس عميقة، عبّر أحد ممثلي لجنة تنسيق معسكر زمزم قائلاً:
“لا نملك شيئاً… لا حماية، لا دواء، لا غذاء. نناشد ضمير العالم أن يتحرك لإنقاذ من تبقى منا قبل أن تُمحى معسكراتنا بالكامل.”

لكن العالم يواصل صمته المطبق، وكأن الدم السوداني كُتب عليه أن يُسفك بلا حساب، في غياب رادع أو مساءلة حقيقية.
دارفور، هذه الأرض التي اعتادت على الموت حتى بات جزءًا من يومها، تقف اليوم وحيدة أمام آلة حرب لا تهدأ، بينما يكتفي المجتمع الدولي بمراقبة المشهد من خلف الشاشات، متناسياً أن كل صرخة هناك تضع الإنسانية جمعاء تحت المحك.

من سيحمي النازحين؟
سؤال مؤلم، إجابته لا تزال تائهة بين ركام المعسكرات، لكن المجزرة لم تمرّ دون مقاومة.

في مشهد يعيد بارقة أمل وسط هذا السواد، تحركت القوات المسلحة السودانية، والقوات المشتركة، جنباً إلى جنب مع المقاومة الشعبية في المنطقة، ببطولة وشجاعة، لصد الهجوم والدفاع عن ما تبقى من أرواح ومقدرات.

وقد استطاعت هذه القوات دحر مليشيات الدعم السريع، ودفعها إلى التراجع بعد معارك عنيفة أكدت أن دارفور، رغم جراحها، لا تزال تنبض بروح الصمود، وأن إرادة البقاء أقوى من كل أدوات الفناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى