مقالات الرأي
أخر الأخبار

على حافة الوطن (٣) | أربعة الف جنيهاً للخبر المُرّ: رأس المال حين يبتلع صرخة الطالب الجائع

⭕️على حافة الوطن (٣) | أربعة الف جنيهاً للخبر المُرّ: رأس المال حين يبتلع صرخة الطالب الجائع

بورتسودان/ Savior Media 24
حياه حمد اليونسابي

في بلاد أنهكها السلاح، وجفّ فيها حليب الأمهات قبل أن يجف حبر الكتب… في بلدٍ يتعثّر فيه الأطفال في طريقهم إلى الملاجئ لا إلى المدارس، اختارت شركة “سوداني” للاتصالات أن تضع تسعيرة على حقٍ أصيل: معرفة نتيجة امتحان.

أربعة آلاف جنيه سوداني — قد لا تساوي شيئاً على طاولة الاجتماعات في ناطحات السحاب، لكنها في أطراف الوطن تعني الكثير. تعني وجبة لأسرة، أو ماءً مقطّعًا بالملح، أو حذاءً متهالكًا لولدٍ مشى حافيًا يبحث عن قلمه وسط الركام.

كان يُفترض أن يكون هذا اليوم يومًا للفرح، يومًا للدموع المتدفقة من عيون الأمهات المنتظرات، ولصوت الزغاريد المكسورة بوجع الحرب، لكنه أصبح يومًا إضافيًا للذل، لأن الوصول إلى نتيجة طالبة من معسكر نزوح في الجزيرة أو من بيتٍ منهار في أم درمان صار مشروطًا بكود يُرسَل عبر شركة، بثمنٍ لا يملكه إلا من استطاع أن يأكل.

لماذا قرّرت الشركة أن تتربّح من أضعف حلقة في سلسلة الدولة المنهكة؟ من الطالب الذي صمد، وكتب، وامتحن، وهو يسمع دويّ القصف، ويكتب على ضوء شمعة؟ من الأسرة التي ضحّت لتعليم ابنها في بلدٍ تتساقط فيه المدارس كأوراق الخريف؟

في لحظة ما، تحوّل الحق إلى خدمة، والخدمة إلى سلعة، والسلعة إلى صفقة. ولم يبق في الوطن إلا من يدفع… أو ينتظر صدقة.

“سوداني” ليست مجرد شركة، هي مرآة لمعادلة سودانية مقلوبة: حيث يُستثمر في الألم، ويُباع الأمل، ويُفرض على الفقراء أن يشتروا فرحتهم بالقسط، أو يسكتوا إلى الأبد.

على حافة الوطن، يقف الطلاب لا ليُكرَّموا، بل ليدفعوا. ويقف رأس المال، لا ليساهم، بل ليربح. وبينهما تنهار المعاني، وتضيع القيم، ويُقال للطالب الذي لم يدفع: أنت لا تستحق أن تعرف مستقبلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى