اخبار عالمية
أخر الأخبار

لنستيقظَ كي يناموا ليلةً واحدةً بسلام يوسف حسن يكتب –

لنستيقظَ كي يناموا ليلةً واحدةً بسلام

يوسف حسن يكتب –

إنّ السهرَ في الليل أمرٌ شاقّ، في تلك اللحظة التي يغلب فيها النعاسُ العيونَ وتثقل فيها الأجفان. تطلب العيونُ النوم، ويعجز الإنسان عن إبقائها مفتوحة. قد تكون هذه قاعدةً صادقة للبشر جميعاً في أنحاء العالم، غير أنّ بقعةً صغيرة مكتظّة بالبشر خرجت عن هذه القاعدة. هناك أرضٌ لا تعرف فيها العيونُ طعم النوم، فلا فرق بين ليلها ونهارها، ولا تثقل فيها الأجفان، وصار النوم كلمةً منسيّة، نسي كثيرون من أهلها حتى كيف تُكتب.

غير أنّ في صدور أمهات وآباء تلك الأرض وجعاً عظيماً لا يبدو أن له دواء. نعم، لقد مضى أكثر من عامين على أمهاتٍ وآباءٍ يحملون الألمَ نفسه: ألم ترديد تهويداتٍ لم تعد تُدخل أبناءهم في سباتٍ هادئ. أمٌّ تجلس في زاوية بيتٍ مهدّم، تضم طفلها وتغني له، لكنها تعلمُ أنّ طفلها لن يغمض عينيه من شدّة الجوع.
وفي ركامٍ آخر، تداعب أمٌّ شعرَ صغيرتها، وتمسّد رأسها علّ النوم يطرق جفنيها، لكنها تعلم أنّ طفلتها المحمومة لا يطاوعها الجسدُ على النوم من شدّة الألم. أبٌ ينتقل من مخيمٍ إلى آخر، ومن مركزٍ «للمساعدات الإنسانية» إلى آخر، لأنه يعلم أنّ طفلَه لن يعرف النوم ما لم يجد له كسرةَ خبزٍ وجرعةَ ماء.

نعم، اسم تلك الأرض هو غزة؛ غزة التي صار أكثر من عامين لا يسمع أهلُها صوتاً مألوفاً غير أصوات القنابل والرصاص المنهمر على رؤوسهم. غزة التي فقدت بيوتها معناها، وصارت المساكنُ أكوامَ ركام، تنصب فوقها الخيام ليقول أهلها للعالم: سنلبس التراب، ولكننا لن نغادر ترابنا.

ذات يوم وقف ترامب، رئيس الولايات المتحدة، على المنبر ليعلن بصوتٍ عالٍ نهاية حرب غزة، مدّعياً أنّ وقفَ إطلاق النار سيتحقق. ذهب أولاً إلى إسرائيل مبشّراً إياها بالأمان والطمأنينة، ثم إلى مصر ليوقّع في شرم الشيخ وثيقةً مع حكّامٍ عرب ومسلمين وغربيين تُعلن «نهاية الحرب والقتل».
لكنّ ذلك العرضَ الذي سُمّي «سلاماً»، ودُفع ثمنه من جيوب دولنا العربية والإسلامية، كان ينبغي لنا منذ البدء أن ندرك أنه مجرّد تكرارٍ لأخطاء الماضي؛ فكما مرّت طائرة ترامب فوق غزة مروراً عابراً، مرّت أمريكا وإسرائيل فوق التزامات وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية. كان يجب أن ندرك أن التاريخ يعيد نفسه، وأنّ نصيبَ أهل غزة سيبقى القذائفَ والقنابلَ العنقودية التي تجعل ليلهم نهاراً ونهارهم ظلاماً لا ينجلي.

يزداد ألمُ خيبة شرم الشيخ حين نتذكّر أنه بعد أسابيع قليلة احتفل العالم بيومٍ لم يكن لأطفال غزة فيه أي نصيب. نعم، في 20 نوفمبر، كما اعتمدته الأمم المتحدة واعترفنا به نحن العرب، يُحتفل بـ اليوم العالمي للطفل؛ يوم يمرح فيه الأطفال حول العالم، يلبسون الجديد، يتلقّون الهدايا، يذهبون إلى الحدائق، ويلهون بألعابهم.

لكن 20 نوفمبر، يوم الطفل العالمي، لم يختلف بشيء عن سائر أيام أطفال غزة؛ يومٌ آخر من الجوع والعطش، من غياب الحليب والدواء، من فقدان أمّ تضمّهم، أو أب يمسح رؤوسهم، أو أخٍ وأختٍ يلعبون معهم، فضلاً عن غياب الألعاب التي تشغلهم عن الألم.

انتهى يوم الطفل العالمي دون أن يتغيّر شيء في حياة أطفال غزة، ودون أن يسمع أحدٌ صوتاً يقول إنّ عشرين ألف طفلٍ غزّي سُفكت دماؤهم تحت قصف الطائرات، وإنّ مئاتٍ آخرين يقضون أيامهم أسرى في معسكرات الاحتلال.
تعلّم أطفال غزة ألّا ينتظروا شيئاً من أحد، لكن الحقيقة المُرة هي الخجلُ الذي يثقل قلوبنا نحن العرب والمسلمين؛ لأننا لم نستيقظ في ذلك اليوم، ولو ليومٍ واحد، لنرفع صوتنا دعماً لغزة، لعلّ أطفالها يحظون بليلةٍ واحدة لا ترتجف فيها أجسادهم تحت وميض القنابل، ولعلّ النوم يزور عيونهم ولو مرة واحدة.

كنّا منشغلين بإسعاد أطفالنا، ونسينا أنّ أطفال غزة، على بُعد خطواتٍ منا، يلعبون مع الموت بدل اللعب بالألعاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى