الأخبار

عمق المشهد القاعدة الروسية على البحر الأحمر: تسريب إماراتي يعزز موقف السودان دوليًا

عمق المشهد

القاعدة الروسية على البحر الأحمر: تسريب إماراتي يعزز موقف السودان دوليًا

أصبح التسريب المتعلق بأن روسيا ستنشئ قاعدة عسكرية على البحر الأحمر في السودان مع انتشار 300 جندي روسي وأبرام اتفاقية عسكرية بين موسكو والخرطوم، أحد أبرز الموضوعات التي تشغل الساحة السياسية الدولية في الآونة الأخيرة. لكن المفاجأة ليست في الإعلان نفسه، بل في الدور الغامض الذي لعبه نظام أبو ظبي في تسريب هذا الخبر. هذا التسريب، الذي كان يُعتقد في البداية أنه سلاحٌ سياسي ضد الحكومة السودانية، انقلب سريعًا ليصبح طعنة في قلب نظام إبن زايد نفسه، ويُجبر واشنطن على اتخاذ خطوات عاجلة لمراجعة استراتيجياتها في السودان.

لم تكن الإمارات بحاجة إلى المزيد من التوترات الإقليمية في هذا التوقيت الحرج. إذ على الرغم من السنوات التي قضتها في دعم التدخلات العسكرية في الشرق الأوسط عبر مليشياتها العسكرية، فإنها الآن تواجه أزماتٍ حقيقية في أكثر من جبهة.
مليشيا الجنجويد التي دعمها نظام أبو ظبي أصبحت عبئًا ثقيلًا على سمعة الامارات وشعبها في الساحة الدولية. فبعد التقارير الاستخباراتية الأخيرة التي أكدت تورط هذا النظام في تقديم الدعم لمليشيا آل دقلو وما قامت به من إبادة جماعية في شمال دارفور، أصبح من الصعب على المجتمع الدولي تجاهل هذه الفظائع والابادة الجماعية التي لم يكن لها شبيه في كل حروب الدنيا.

والسؤال المهم لماذا سعت الإمارات إلى تسريب مثل هذا الخبر في هذا التوقيت تحديدا؟ الهدف كان واضحًا: إضعاف الجيش السوداني في هذه المرحلة الحساسة، حيث كانت أبوظبي تراهن على إعادة تدوير المليشيا بكل ما اوتيت من حيل عبر طرق عديده.
إن تسريب ملف القاعدة الروسية كان يُفترض أن يشوش على المناخ السياسي السوداني، ويُوجه رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن السودان قد يتجه نحو تبني سياسات جديدة تخرج عن إطار التحالفات الغربية، مما يزعزع استقرار المنطقة.
ما كان مفاجئًا هو أن التسريب الإماراتي، والذي كان يُخطط له ليكون سلاحًا ضد السودان، تحول بشكل عكسي ليصبح مصلحة استراتيجية للخرطوم. فبمجرد انتشار هذا الخبر، أصبح هناك حالة من الضغط الدولي المتزايد على الولايات المتحدة خاصةً بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الذي أعلن بشكل قاطع أن الرئيس دونالد ترامب يتولى ملف السودان بصورة شخصيًة، في خطوة تدل على استراتيجيات جديدة في التعامل مع الخرطوم بعيدًا عن الوساطات التقليدية.

هذه التصريحات وضعت نظام أبوظبي في موقف (لايسر عدو ولا حبيب) ، حيث تراجعت فرص الإمارات في لعب دور الوسيط المؤثر في السودان، وهو ما جعلها تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع تحولات جذرية في السياسة الأمريكية تجاه الخرطوم. هذا التحول، الذي يأتي في وقت حساس جدًا، يُعتبر ضربة قوية لنظام ابو ظبي، الذي كان يراهن على إعادة تدوير مليشيا الجنجويد في السودان واستغلال هذه المليشيا كأداة لتحقيق حلمها ومصالحها
فالتسريب الذي كانت بغرض تغيير المعادلة الإقليمية في السودان، أدى إلى عكس ما كان مخططًا له.
الخرطوم وجدت نفسها في موقع يمكنها من التفاوض مع القوى الكبرى على أسس جديدة تتجاوز الهيمنة الغربية التقليدية. كما أن المواقف الدولية من هذا التسريب، لا سيما من قبل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، أظهرت رغبة في الحفاظ على استقرار السودان، وهو ما يعزز موقع السودان في التوازنات الإقليمية والدولية.
التفاعل الدولي مع الأزمة السودانية قد منح الخرطوم فرصة كبرى للعب دور أكبر في رسم ملامح مستقبلها السياسي، وفتح الباب أمام تفاهمات مع قوى عظمى يعتبر بمثابة في إعادة تأهيل وضعها الاستراتيجي.

إذا كان نظام أبو ظبي قد تسابق على تسريب أخبار القاعدة الروسية كجزء من خطة لتقويض السودان، فإن الواقع الآن يثبت أنه قد وقع في فخه الخاص فبينما كان يراهن على تأجيج الحرب في السودان قد فشل في قراءة أبعاد التحولات السياسية في المنطقة. و الآن يقف في وضع دفاعي ضعيف ويجد نفسه مضطرا إلى إعادة تقييم استراتيجياته في السودان، بعد أن أظهرت التقارير الاستخباراتية أن تحركاته قد تكون مكشوفة، وأن محاولات إعادة تدوير المليشيا قد باءت بالفشل وفي النهاية، تبقى القضية السودانية مفتوحة على كافة الاحتمالات، لكن يبدو أن الأفق قد تغير بشكل كبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى