ماهى الشعوب السودانية … كيف نكون شعوباً ! و من يرفض ان يكون شعباً !!! حسام الدين محجوب على

ماهى الشعوب السودانية … كيف نكون شعوباً ! و من يرفض ان يكون شعباً !!!
حسام الدين محجوب على
لا أدرى كيف صرنا شعوباً بعد ان كنا شعباً وأحدا لا نقبل القسمة على !
لا أظن ان اى منا شب وترعرع على ان السودان تسكنه شعوب ، بل التربية الوطنية التى درسنا فى المراحل التعليمية ، حين كانت هناك مادة للتربية الوطنية ، كانت تؤسّس لنشأة مواطن سودانى ينتمى لشعب واحد .
بالرغم من اعجابى بالراحل جون قرنق دى مبيور إلا ان فكرة ان السودان يتكون من عدة شعوب قابلة للانقسام لم تكن بالنسبة لى سوى وسيلة لتأصيل تمرده ضد الدولة السودانية ، الأمر الذى افقده الفرصة فى ان يكون من قادة البلد العظام . لكن ما لم يعيه اتباعه ، ان د. جون قرنق تغير كثيراً خلال مراحل التمرد و بدلاً من سعيه لتوحيد شعوب مختلفة تحت علم السودان ، آمن بأنه شعب واحد و صار يتحدث عن خلق مجتمع جديد يؤمن بالحداثة و يقضى على القبلية و الجهوية و يعلى من ثراء التنوع الاثنى فى السودان و الذى يمثل سبباً رئيسياً فى غناه و جماله و سماحة أهله و سمة أساسية من سمات السودان القديم و الحديث . ايمانى ان هذا ما ادى إلى اغتياله و دفن مشروعه .
اول مرة اسمع بتكرار تعبير “الشعوب السودانية ” كان من ياسر عرمان و قد اندهشت من التعبير حينها لأنه تعبير يصدر من غريب عن وطن لا يعرفه و ليس من مواطن مؤمن بوطن واحد يدافع عن وجوده و لكنى ادركت انه لم يتطور مع جون قرنق ، بل توقف عند اول باب دلف منه و رأه .
فتعريف “الشعوب” فى اللغة و فى السياسة يختلف باختلاف السياق ، ففى اللغة هو جمع “شعب” و يستعمل للدلالة على جماعة كبيرة من الناس تنتمى لأصل واحد ، تعيش ضمن كيان اجتماعى او جغرافى معين .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات:13] ،
ففى هذا السياق تشير “الشعوب” إلى جماعات كبيرة تفوق القبائل فى الحجم و التكوين. اما فى العلوم السياسية ، يقصد ب” الشعوب ” الكيانات الجماعية التى تشكل وحدة سياسية او اجتماعية ، تفوق القبائل فى الحجم و التكوين و الدولة بل هى يمكن ان تكون فى عدة دول . فالمعروف عن الدولة أنها ارض ، شعب و سلطة . لذا فالمفهوم السياسى يتضمن عدة أبعاد ، الهوية المشتركة ، الثقافة ، اللغة ، الدين ، التاريخ و المصير . فالشعب يتميز عن الدولة او الأمة فى انه يشير إلى كتلة بشرية حية داخل كيان سياسى ، دولة ، اما الأمة فغالباً تُستخدم للدلالة على جماعة تربطها ثقافة او عرق مشترك حتى لو لم يكن لها دولة .
أمثلتنا على ذلك ، الشعب الفلسطينى ، فهو كيان معترف به سياسياً و يسعى لتقرير مصيره . اما الشعوب الأصلية ، فنذكر منها الهنود الحمر و الأمازيغ و يُعترف بحقوقهم بعد نزاع فى المواثيق الدولية ، لعدم الاعتراف بوجودهم و هو ما لا وجود له فى المفهوم السودانى .
فالسودان يتكون من قبائل متنوعة تعترف ببعضها البعض و تتعايش مع بعضها ، تجمعهم ارض لم ينكروها فى يوم من الأيام ، تجمعهم سلطة لم ينكروها حتى و ان تنازعوها و ثقافتهم ثرة و متنوعة و يفخرون بها .
فمن المعروف ان المثقف هو من يطور مفهومه بتحديث المفاهيم و ليس الجامد المحتفظ و محافظ على مفهوم تعلمه فى مرحلة معينة و لم يغيره ، مما يعنى عدم سعيه للاستفادة من تجارب الغير و دراسة المتغيرات فى مفاهيم الغير للاستفادة منها فى تجديد و تطوير ما تراكم من معلومات و دراسات ، فهو فى ذه الحالة يجب ان يكون جاهلاً يسمع و لا يعى و يحفظ و لا يفهم .
الأخطر ان هؤلاء يكونون سبباً فى خراب مجتمعاتهم و تدمير دولهم كما رأينا فى مجموعة من يسمون ” شباب جون قرنق ” ، فهؤلاء لم يكبروا و ظلوا شباباً لم يتطور ، حتى تسببوا مع من كانوا يتحكمون فى السلطة حينها فى فصل جنوب البلاد و شابوا الآن و يحاولون تقسيم ما تبقى من الدولة . فهم ينكرون وجودها ، بإصرارهم ان السودان يتكون من شعوب و ليس شعب و ان الدولة لا وجود لها و أنها عدة دول و مليشيات يجب ان تتقسم الى كيانات سياسية كأن الجنوب يغرق فى رفاه بعد الانفصال و الغرب سعادته الحقة ستكون فى البعد و الغنيمة .
للأسف ، هناك كثيرون من هؤلاء الجهلاء الآن صاروا يرددون هذا التعبير “شعوب” عند الحديث عن الشعب السودانى الواحد العريق و الضارب فى القدم و يتحججون بالحروب لتقسيمه ثقافياً و مجتمعياً و جغرافياً .
الأغرب ، ان كل من ينادى بذلك تتمازجه القبلية ، فتجد انتمائه القبلى متنوع سواء كان من الغرب و الشرق او الشمال و الجنوب و ترعرع و يعيش فى الشمال و ينادى بانعتاق الغرب او يعيش فى الوسط و ينادى بانعتاق الشرق او الجنوب ، كأنه يرغب فى نزع احدى طرفيه من انتمائه العرقى حتى و لو ادى لهلاك اهله .
السودان بلد لشعب واحد و دولة يسكنها أناس ينتمون له ، لهجاتهم مختلفة ، دياناتهم متوافقة ، سحناتهم متناسقة ، ثقافاتهم متداخلة و قبائلهم متعايشة بعاداتٍ غنية متجانسة ، لا يمكن ان تكون غير فى السودان .
فالسودانى تعرفه فى كل اصقاع العالم مهما اختلف لونه من مشيته و حديثه و طلته ، فالأسود سودانى ، الأسمر سودانى ، القمحى سودانى ، الأبيض سودانى ، الأشقر سودانى ، الطويل سودانى ، القصير سودانى و الممتلئ سودانى كما النحيف سودانى .
الافريقى سودانى ، العربى سودانى ، القوقازى سودانى ، الاسيوى سودانى ، شعب واحد فى ارض واحدة بسلطة واحدة لدولة واحدة بجيش وطنى واحد .
تنازعوا السلطة داخل السودان و لكن لا تتنازعوه خارجه فتنزعوه من أهله الذين أحبوه و لم يعرفوا له بديلا .
لا توجد شعوب سودانية ، يوجد شعب سودانى معروف الهوية و يرغب فى العيش فى وطنه و دولته بأمن و أمان و يحلم بوطن عصرى متقدم مزدهر يحكمه بنوه دون إملاءات خارجية و دون خوارج يدنسون هويته و ثوبه الأبيض الوطنى الجميل و لا تعرفهم إلا بوثيقة الهوية .