علي حافة الوطن (٢٥)/ “على حافة الخراب: الخرطوم بين أنقاضها وأشباحها” بقلم حياه حمد اليونسابي

علي حافة الوطن (٢٥)/ “على حافة الخراب: الخرطوم بين أنقاضها وأشباحها”
الخرطوم/ حياه حمد اليونسابي
على خارطة الحزن الممتد، تُطوى الخرطوم كما تُطوى المدن التي خانها التاريخ، ويُعاد تشكيلها على إيقاع البنادق لا على نغمة النيلين. هنا، لا تتزاحم العناوين، بل تتناحر الأرواح.
في الخرطوم، لا صوت يعلو فوق صوت الخراب، لا لون إلا رماد الحريق، ولا رائحة إلا ما تخلّفه جثث الأبرياء حين تُترك للريح والذباب.
مليشيا الدعم السريع، والتي خرجت من رحم الحرب وذاكرة الظل، لم تطرق أبواب المدينة بل كسرتها، لم تستأذن قلب الخرطوم بل اجتثّته من صدرها، وعلّقته على سبابات الموتى.
البيوت؟ لم تعد بيوتًا. صارت قبورًا شاهدة على وحشية لا تعرف انكسارًا.
الأحياء؟ لم تعد أحياء. صارت خرائط محوٍ وساحات تهشّمت فيها الطفولة والهوية معًا.
والناس؟ من لم يُقتَل، شُرِّد. ومن لم يُشرَّد، صار شاهدًا على قيامة الخرطوم وهي تُسلَب حياءها أمام عيون العالم.
يا للخرطوم التي هُمشت حتى في نكبتها. لا صحف العالم تبكيها، ولا ضمير الإنسانية يلتفت إليها.
وكأن العاصمة قد سقطت من صفحات التاريخ، لتُكتب من جديد بالدم، لا بالحبر.
هنا، حيث كان الناس يحتفلون بالمساء على وقع طمأنينة النيل، صارت الشمس تشرق على صراخ العائلات تحت الركام، وعلى أجساد معلّقة فوق أبواب منازلهم المهجورة، كما لو كانت المدينة نفسها تصلب أبناءها، أو كما لو أن القيامة استعجلت موعدها.
الخرطوم لم تُهزم وحدها، بل هُزمت معها ما تبقّى من حلم.
الوطن على الحافة،
والخرطوم… سقطت في الهاوية،
لكنها سقطت واقفة و ستنهض بعزززة.