آفة العمالة و العملاء
حسام الدين محجوب على
ما هذا !!! لماذا صارت العمالة مصدر رزق و مهنة يتفاخر بها مجموعة من البشر و يقبلها بعض ليس ببعضٍ من البشر و كأنها حرفة كغيرها من المهن الشريفة و هى لا تمت للشرف بصلة .
نشأنا و ترعرعنا على ان الإنسان نوع واحد لهم وطن واحد و ملة واحدة و دين واحد مهما اختلف و مهنة واحدة مهما اختلفت . منها ما يمتهن بعد دراسة و تمحص و فحص و نجاح و منها ما يمتهن بتوارث و تدرب و خبرة و المام . لم نعلم ان هناك مهنة لونها احمر ، مذاقها مر و نتاجها موت ، ممتهنها ظاهره يشبه سائر البشر و داخله يستعيذ منه الشيطان .
بعد انتهاء حقبة الاستعمار ، اغلقت الدوائر الاستعمارية المختلفة ادارات العملاء فى المستعمرات و اصدروا قرارات السرية لحمايتهم مستقبلاً بعد خروجهم و لكنهم تفاجأوا من رغبة هؤلاء العملاء الاستمرار فى عملهم و أقنعوهم بأهمية عملهم فى المرحلة القادمة . منها نشأت فكرة الاستعمار المقنع و التحول لاستغلال الموارد بتكلفة اقل و الاستمرار فى استعمار تلكم الدول دون دفع التكلفة بل و بزيادة فى العوائد . نجد ان فرنسا استمرّت فى السيطرة التامة على مدخولات تلك الدول بربط عملاتهم المحلية بالفرنك الفرنسى حتى بعد قيام الاتحاد الأوروبي و لم ينتهى ذلك إلا بعد ٢٠١٧ و يستمر فى بعضها إلى الآن . بريطانيا ربطت صادرات تلك الدول بها لعهود طويلة و بعقود مجحفة بعضها لا يزال سارىٍ . هولندا و ألمانيا و إسبانيا و البرتغال لم يشذوا عن القاعدة . كل ذلك لم يكن ليحدث لولا استحداث مدرسة العملاء الدولية السرية .
فى العشرية الأخيرة لم تعد تلك المدرسة سرية بل صارت جامعة ، الانتماء لها يكون مفخرة لخريجيها و مصدر ثراء لمحيطهم . من عجائب القدر ان الغرب لا يزال يحرمها لمواطنيه و يجرم المنتمين لها و لكنه يكرم زمالتها من مواطنى الدول فى مناطق معينة .
اول ما يتجرد منه العميل هو الإحساس و آخر ما يشغله هو الانتماء ، فلا موت عشيرة يلاحقه فى منام و لا اغتصاب أهل بيته يهز له شعرة ، فهو متبلد المشاعر فاقد البصر منعدم بصيرة يمشى عارياً و الكل يراه و لا يشك انه لابس بل يعلم انه عارى و يعلم ان الكل يراه عارياً . يستمتع بالذلة و يستلذ المهانة و الاذلال حمانا الله .
السودان دولة تولد من جديد و السودانى مواطن يجب ان يولد جديداً و السودان الوطن و الأرض لن يكون إلا جديدا و على العملاء ان يتخلصوا من إدمانهم و من لا يرغب فى دخول مركز إعادة التأهيل ان ينزوى فى احدى اركان العملاء و هى قليلة لأنهم منبوذين و المنبوذون قلة .
من اهم ما تعلمناه من هذه الحرب و هى الأولى التى انخرط فيها كل الشعب السودانى بكل اطيافه ، ان هناك قلة من الجهلاء فى هذا الوطن و كنا نظن قبل الحرب ان الجهل مستشرىٍ فيه ، لان الجهلاء فقط من لا يعلمون اركان الدولة بمعناها الرسمى أى وجود ارض و شعب و سلطة تنظم أمور هذا الشعب على هذه الأرض . الغريب ان من لا يعلم ذلك دراسة أو علماً يعلمه فطرةً و السودانى الوطنى علمه فطرة بالبرهان و الغريب أنها المادة الوحيدة التى يتعلمها العملاء بصورة عكسية . لذا نجد ان كل الشعب السودانى ، إلا القلة و منهم العملاء أو من يتأثرون بهم ، مؤمن بأن هذه الأرض الطيبة المباركة تحتاج لأبنائها لحمايتها و تنميتها و القلة هم من يرون ان هذه الأرض المشاع لا صاحب لها و يجب ان يتسولوا مالك جديد لها فضربوا فى مشارق الأرض و مغاربها يتسولون الجيوش الأجنبية و المرتزقة للهجوم على مواطنيها لابادتهم و الاستيطان فيها . الشعب السودانى مؤمن بأن أبنائه هم الجيش الرسمى الذى يحميهم و يزود عنهم و عن ممتلكاتهم و اعراضهم ، أما الفئة الضالة فهى المؤمنة ان العرض و الشرف لا عاصم له ، الأرض لا صاحب لها و ان الجيش يجب ان يختفى و الجيوش الأجنبية و المرتزقة هم الأحق بالشرعية فى هذا الوطن . الشعب مؤمن بأن الرازق هو الله و الرزق بيده و قد سخره لهم فى ارض هذا الوطن . أما الفئة الضالة فعِلمها ان الرازق هو سيدهم و الرزق بيده وحده و طاعته هى سبيلهم له فى هذه الحياة و لا وجود لجحيم بعدها يخلدون فيه بالتأكيد ، فالجحيم الآن لمن لا يطع و الجحيم لمن لا يستجيب من أبناء هذه الأرض التى لا يعترفون بها كوطن و لا يقرون بشرعية وجوده إلا بهم و لا بأحقية وجوده إلا منهم فهم العملاء العلماء و يستعجبون كيف لا يراهم الناس كذلك .
كل السودانيون امنوا بان هذه الحرب هى حرب بقاء للوطن و المواطن ، الانتصار فيها قدر و إلا فان هذا الوطن سيكون مشاعاً للجوار و مرتعاً للمرتزقة و المجرمين و المرضى من امثالهم مستقبلاً .
ما يحدث فى السودان ليس ربيعاً عربياً و لا ثورة شعبية ، ما يحدث فى السودان غزوٌ خارجى أطرافه الشعب السودانى بجيشه و مقاوميه من ناحية و دول ترغب بثرواته التى عاشت عليها زمناً بمسميات مختلفة ، نهلت من قوُته و خيراته برضاء أهله لأنهم وصية نبى الرحمة (ص) فما ارتضوا ان يناموا شبعى وحدهم و اخرون نهبوا ثرواته تهريباً بأيدى بضعٌ من أبنائه جشعاً لعهود و هم يمِنون على هذا الشعب بفتاتٍ يسمونها مكرمات و هى من حر ماله . من مساخر الزمن ان المتمعن فى صروح هذا البلد لا يجد صرحاً واحد يقف شاهداً على هذه المكرمات . فلا توجد مصانع ، فنادق ، اتصالات ، مجارى مائية ، سكك حديدية ، طرق رئيسية ، جامعات ، مدارس ، مشافى او حتى مسارح بنيت بأموال مكرمات اماراتية . لكن بالمقابل تجد أموال اماراتية قليلة قليلة استثمرت فى شراء مشاريع سودانية وطنية قائمة أساساً بيعت لهم بفسادٍ و هى فى قمة ربحيتها و أصبحت فى الدرك الاسفل من قائمة المؤسسات الاقتصادية نذكر منها بعضً لا حصراً فى مجال الاتصالات و الفندقة و البنوك و المصانع . تلك المؤسسات لم تتقدم و لم يتم استثمار فلس فيها لتطويرها و تنميتها . اماً فى مجال الزراعة فالمشروع الوحيد الذى تفاخرت به الإمارات فهو مشروع زراعي خرب فى عام واحد بنية أساسية من ثروات اجداد و آباء فى اقليم كامل من أقاليم البلاد فى شماله و اتلف جل نخيلها و أضعف متبقيه بمواد فاسدة و عصمهم من المساءلة فساد حكام مكنهم من تسيد هذه البلاد و طمعهم فى خيراته حتى أوصلنا لحرب دمرت ما تبقى من بلاد ينتفض شعبها الآن لانقاذها و درء مفاسدهم رغماً عنهم .
نعم ، رغماً عنهم و عن عملائهم لأن تطاول هذه الحرب اللعينة نتيجة طبيعية لاستماتتهم فى الحفاظ على مصادر ثروة تعودوا عليها و سجلوها كمصدر من مصادر دخل دولتهم التى يستنزفونها بنزواتهم القاتلة .
لعهود تمكنت الامارات من ثروات شعب يكد و يكدح و بجشع فئة قليلة من مستجدي النعم و فساد حكام يخزنون ثرواتهم فيها ، يشترون عقاراتها عوض عن تطوير مدنهم . هذه الفئة تنهب مستحقات الوطن من عوائد صادرات و فروقات اسعارها ، تهريب ذهبها ، خلق نظام مصرفي هامشى خارج النظام المصرفى المعروف فيها يخدم اغراضهم ، يبتكرون و يطورون و يبدعون فيها ، عوضاً عن فعل كل ذلك فى وطنهم و تنميته و تطوير إنسانه .
نهبت الإمارات هذه الثروات و هى ليست بالقليلة و كانت تحافظ على حلقة الفساد فى حكوماتها و انعدام الضمير لدى حالبيها من مستجدى النعم فيها بإرسال ” مكرماتها ” فى صورة قروض بفوائد عالية . اما المنح فلم تكن سوى عطايا لا تذكر مشروطة بمقابل ، يزيد من إفقار الشعب و يقنن منهوباته لها .
لذا فان اليد العلياء كانت دائماً للسودان حتى و إن طُمرت ، السودان هو من ساهم فى قيام الامارات و تطويرها ، السودان هو من جعل من دبى مركزاً للذهب ، السودان ساهم فى رفع ودائع البنوك الاماراتية ، السودان من ساهم فى أمن الإمارات و تأمينها و السودان من ساهم فى تسويقها أفريقياً و الشكر كل الشكر فى جل هذه المساهمات للفساد و العملاء معدومو الضمير و الوطنية .
على هؤلاء ان يستحوا الآن و لا يفاخروا بعمالتهم و لا بولائهم لمن دمر بلادهم ، ان يبكوا ليل نهار و يستسمحوا الشعب السودانى كله قبل ان يستغفروا ربهم على الأعراض التى هتكت و الممتلكات التى دمرت و الأرواح التى زهقت بيد الإمارات و مرتزقتهم لا الدعم السريع الارهابية فهؤلاء حثالة . على هؤلاء ان يعلموا ان لا صلاة تنفعهم فسعيهم للمساجد فجراً و مساء لا تخدع رب العرش و باتت لا قيمة لها فى أعين الشعب السودانى ، فالحرب فتحت أعينهم و قضت على ما كانت سمة من سمات السودانى الملازمة و هى الطيبة ، حتى و ان كانت عند البعض تعنى السذاجة .
هذه الحرب قضت على مفهوم السودانى النمطي ، فالكسل لم يعد صفة ملازمة له بعد رؤية نجاحه فى الدول التى لجاء اليها مؤقتاً ففتح متاجره و نشر فنه و تذوق الغير طعامه و استمتع به . إذا كان من خير ناله السودان من الإمارات فى حربها ضده فهى الصورة الحقيقية للسودانى و جماله التى رأها المواطن العربى و عكسها تماماً الهيئة القبيحة لحاكم الإمارات و من والاه و صور الدمار التى استذكرها و يراها الآن فى اى مكان دنسته اقدامهم فى المنطقة .
الإمارات بلاد احبها السودانيون و تسابقوا عليها و فضّلوها على غيرها من دول الخليج ، لكنهم صدموا من هول ما رأوا منها من دمار و اصرار على الدمار و الاستماتة فى محوهم من التاريخ و هدم حضارتهم الضاربة فى القدم ، هتك اعراضهم التى طالما اعتزوا بها ، كسر هيبتهم التى تفاخروا بها ، إفقارهم بشكل غير مسبوق فى التاريخ و انتزاع شرعية وجودهم و استبدالهم بحثالة البشر من كل ركن من اركان المعمورة بسبق اصرار مروع .
صار السودانيون يدعون عليهم صباح مساء ان تدور عليهم الدوائر و يضغطون على حكومتهم و جيشهم إن يعيد لهم كرامتهم التى سُلبت و عزهم الذى غُبش دون كلل و دون حساب للقيمة او الثمن فالسودان لاهله خارج حساب القيمة .
السودانيون اسقطوا من حساباتهم العملاء و محوهم من سجلاتهم ، السودانيون يعلمون ان العملاء عملة ساقطة لا قيمة لها ، صوتها عالىٍ رنان و مباعها دخان . السودانيون يعلمون ان العميل باطل عمله عاطل .
فليهنأ بيومه فلا غد له .